الشريفة- و دلّ دليل آخر على حجّيّة خبر الواحد تعبّداً، فإنّ الدليل الثاني- حينئذٍ- وارد على الأوّل؛ حيث إنّه أخرج خبر الواحد عن موضوع الأوّل بجعله حجّةً واقعاً تعبّداً، و السيرة المذكورة ليست كذلك بالنسبة إلى الآيات.
و أمّا الحكومة فقد عرفت أنّها تحتاج إلى اللسان و الشرح و التفسير لفظاً للدليل الآخر، و السيرة من الامور اللُّبّيّة التي لا لسان لها، فإنّهم اعترفوا بأنّ المراد من الظنّ و عدم العلم المأخوذ في موضوع الآيات هما الاصطلاحيّان، و حينئذٍ فلا يتحقّق هناك ورود و لا حكومة.
و أمّا ما أفاده الميرزا النائيني (قدس سره) من لزوم الدور ففيه: أنّ عدم مخصّصيّة السيرة للآيات و إن يتوقّف على ردع الآيات عنها، لكن ردع الآيات عنها لا يتوقّف على عدم تخصيصها لها، فإنّ الآيات المذكورة قطعيّة السند، و لها ظاهر مستقلّ في الدلالة لا تحتاج في دلالتها إلى شيء، فالحقّ في الجواب هو ما ذكرناه من انصراف الآيات عن مثل هذه الظنون بالتفصيل المتقدّم، أو تخصيص الآيات بأدلّة حجّيّة خبر الواحد.
و يمكن الجواب بوجهين آخرين تكون أدلّة حجّيّة خبر الواحد واردة على الآيات المذكورة بناءً عليهما:
أحدهما: أنّه ليس المراد من العلم في قوله
«لا تقفُ ما لَيْسَ لكَ بِهِ عِلْم»
هو العلم الوجداني القطعي، بل المراد منه الحجّة، فمعناه: لا تقفُ ما ليس لك به حجّة؛ و ذلك لأنّه لو كان الواجب في الشريعة هو اتّباع العلم الوجداني، يلزم منه إهمال كثير من أحكام الشريعة بل أكثرها؛ لأنّه قلّما توجد مسألة من المسائل الفرعيّة يحصل القطع بها بالخبر المتواتر و نحوه ممّا يفيد العلم، بل أكثرها ثبت بأخبار الآحاد، و لا يمكن إيجاب تحصيل العلم بها، و كذلك أجزاء الصلاة و شرائطها و نحوها من العبادات.