و المراد من التسبيبي الفعل الصادر من الغير بتسبيب المكلّف. و هو أمر صحيح معروف لدى العرف و العقلاء، و قد تعلّق به التكليف في غير واحد من الموارد كاستحباب بناء المسجد، فإنّه لا شكّ في كون المراد منه ما هو أعمّ من التسبيب باستيجار البنّاء و العملة و صرف الأموال. و توهّم أنّ كلّ فعل يتوسّط بينه و بين الإنسان إرادة فاعل مختار لا يكون داخلا تحت القدرة ممنوع، بأنّ القدرة المعتبرة هاهنا و إن كانت عقليّة إلّا أنّ الميزان إحرازه بتشخيص العرف؛ لأنّهم كانوا مكلّفين و مخاطبين بالخطابات الشرعيّة، لا إحرازه بالدقائق الفلسفيّة، و لا شبهة في أنّ العقلاء يرون أنفسهم قادرين على إيجاد العمارات و تأسيس المشاريع العامّة و إقامة المجالس و تهيئة الأقوات، مع أنّ كلّ ذلك متوقّف على توسّط فاعل مختار غيره.
و الوجه في صدق القدرة عليها؛ القدرة على مقدّمات تنتهي غالبا إلى تلك الامور و إن كانت بدخالة فاعل مختار كالقدرة على التوكيل و الاستيجار و التشويق و ... و بالجملة لا شكّ في وجود الفعل التسبيبي و صدق انتسابه إلى مسبّبه.
هذا، فإن أحرزنا كون متعلّق التكليف من أيّ القسمين؛ أي المباشري أو الأعمّ فهو، و إلّا فالدليل مجمل لقصور البيان عن كشف مراد المولى، و المرجع حينئذ من الاصول العمليّة هو أصالة البراءة؛ لأنّ الشكّ يرجع إلى الشكّ في تقيّد المكلّف به بقيد زائد و هو قيد المباشرة؛ لدورانه بين الجامع و خصوص الحصّة المباشريّة.
لكن هذا التوجيه لا يتلائم مع ما ذهب إليه المشهور من كفاية التبرّع، فعلى القول به لا بدّ من تفسير التوصّلية بكفاية الفعل التسبيبي و إخراج الاكتفاء بتبرّع الغير منه.
الخامس: (مع احتساب الوجوه السابقة) الالتزام بكون متعلّق التكليف هو