خلقه، و هو المجبول عليه و هذا المعنى هو المقصود من حكم العقل فان معنى حكمه بحسن شيء أو قبحه مثلا ليس إلا بمعنى إدراكه لما فيه منهما، و إلا فليس من شأن العقل ما هو من شأن الشرع من جعل الحكم و إنشائه و الامر بشيء و النهي عنه و البعث اليه و الزجر عنه. ثم، ان الحسن و القبح إما ان يكونا من الاعتبارات العقلية الناشئة من خصوصيات في الافعال موجبة لانتزاع العقل، و اما ان يكونا من الاعتبارات العقلائية التي توجد بتبانيهم في وعاء الاعتبار نظرا إلى الخصوصيات المقتضية لها في نظرهم، ف (على الاول) لا معنى لادراك العقل لهما إلا ادراكه لتلك الخصوصيات الثابتة لعنوان كلى من الافعال التي هي المنشأ لاعتبار الحسن فيه تارة، و القبح أخرى، كما هو الشأن في إدراكه لسائر الاعتبارات العقلية فانه لا معنى لادراكه لها إلا ادراك مناشئ انتزاعها. و (على الثانى) لا معنى لادراك العقل لهما إلا ادراكه و معرفته بتحقق الاعتبار و التباني من العقلاء بالنسبة اليهما. كما هو معنى ادراكه لسائر الاعتبارات العقلائية. و من هنا يتضح لك ان حكم العقل في مورد قاعدة الملازمة، و هو ما اذا كان حكم العقل فى رتبة العلة بالنسبة الى حكم الشرع، كما في المثال الذي يذكر للقضايا العقلية بثبوت حكم كلى شرعي- من الوجوب و نحوه- ليس له معنا إلا ادراكه لثبوت ذلك الحكم الشرعي و تحققه في نفس الامر، و هذا بمقتضى ما يدركه من الملازمة بينه و بين ما يدركه من حسن الشيء او قبحه.
ثم ان المراد من حكم العقل في القضايا العقلية لا يخلو اما ان يكون ادراكه لتلك النسب الثابتة فيها بين موضوعاتها و محمولاتها و اذعانه بها قطعا، كاذعانه بان الاحسان حسن و مندوب، و الظلم قبيح و حرام، و شرب الدواء نافع و واجب، و شرب السم مضر و حرام، و أمثال ذلك او يراد منه نفس تلك المحمولات المدرك