نام کتاب : تاريخ الغيبة نویسنده : الصدر، السيد محمد جلد : 2 صفحه : 220
و أما نوح (عليه السلام)، فقد قضى المئات من السنين مرشدا واعظا، فلم يؤثر في الناس أثرا محسوسا حتى شكا إلى اللّه تعالى قائلا: رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَ نَهاراً، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً. وَ إِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَ اسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَ أَصَرُّوا وَ اسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً[1]. حتى اضطر إلى أن يدعو عليهم بالهلاك، فاستجاب اللّه تعالى دعاءه و أغرقهم بالطوفان. و ليس هناك وضوح في النصوص التاريخية في تحديد مقدار ما استطاع نوح (عليه السلام) اكتسابه من المؤمنين بعد الطوفان.
و أما إبراهيم خليل الرحمن (عليه السلام)، فقد كان أكثر من سابقيه تأثيرا في توجيه الناس و اكتساب إيمانهم و ثقتهم به. و لكنه مع ذلك لم يستطع الوصول بالأمة إلى المستوى المطلوب في العدل المطلق. حسبنا من ذلك أنه في أول عهده ألقي في النار و لم يكن يوجد في المجتمع شخص معترض أو مستنكر و لو من الناحية الانسانية المحضة! ... ثم أنه بعد فترة غير قليلة من نبوته، وضع زوجته و ولده في واد غير ذي زرع، و لم يكن لديه شخص مخلص يضمه إليهما يدفع عنهما ألم الجوع و العطش و خوف السباع و الهوام. فاكتفى إبراهيم (ع) بالدعاء لهما و تركهما و ذهب.
فكان اللّه تعالى حافظا لهذه الأمانة التي أودعت عنده، فجعل افئدة من الناس تهوي إليهم. و لو لا ذلك لكانا من الهالكين.
و أما الأمة التي بعث فيها موسى بن عمران (عليه السلام)، فحدث عنها و لا حرج، من حيث التمرد على نبيها و عدم الشعور بالمسؤولية تجاه دينها. و كان المنطق القائل: اذهب أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ[2]. هو المسيطر على أذهانهم و معنوياتهم ... فهم على غير استعداد أن يبذلوا أي شيء في سبيل نبيهم و عقيدتهم.
و أما عبادتهم للعجل ردحا من الزمن، و مطالبتهم برؤية اللّه تعالى جهرة، و مراجعتهم في شأن البقرة التي أمروا بذبحها، و غير ذلك من الحوادث ... فهي أوضح من أن تذكر.