نام کتاب : تاج العروس من جواهر القاموس نویسنده : المرتضى الزبيدي جلد : 7 صفحه : 49
شَكَرْتُكَ إِنَّ الشُّكْرَ حَبْلٌ من التُّقَى # و ما كُلُّ من أَوْلَيْتَه نِعْمَةً يَقْضِي
قالَ: فهََذا يَدُلُّ على أَن الشُّكْرَ لا يكونُ إِلاّ عن يَدٍ، أَلاَ تَرَى أَنّه قال: و ما كُلُّ من أَوْلَيْتَهُ إِلخ، أَي ليس كُلُّ مَن أَوْلَيْتَه نعْمَةً يَشْكُرُكَ عَلَيْهَا و قال المصنِّفُ في البصائر: و قيل:
الشُّكْرُ مقلوبُ الكَشْرِ، أَي الكَشْفِ، و قيل: أَصلُه من عَيْنٍ شَكْرَى أَي مُمْتَلِئَةٍ، و الشُّكْرُ على هََذا: الامتِلاءُ من ذِكْرِ المُنْعِم[عليه] [1] .
و الشُكْرُ على ثلاثة أَضْرُبٍ: شُكْر بالقَلْبِ، و هو تَصَوُّرُ النِّعْمَة، و شُكْر باللسان، و هو الثَّنَاءُ على المُنْعِم، و شُكْر بالجَوَارِحِ [2] ، و هو مكافَأَةُ النِّعْمَةِ بقدرِ استحقاقِه.
و قالَ أَيضاً: الشُّكْرُ مَبْنِيٌّ على خَمْسِ قَوَاعِدَ: خُضُوع الشّاكِرِ للمَشْكُورِ ، و حُبّه له، و اعترافه بنِعْمتِه، و الثَّنَاء عليه بها، و أَن لا يَسْتَعْمِلَها فيما يكْرَه، هذه الخَمْسَة هي أَساسُ الشُّكْرِ ، و بناؤُه عليها، فإِن عَدِمَ منها واحدَة اختَلّت قاعدةٌ من قواعَد الشُّكْرِ ، و كلّ من تَكَلَّمَ في الشُّكْرِ فإِن كلامَه إِليها يَرْجِعُ، و عليها يدُورُ، فقيلَ مَرَّةً: إِنّه الاعترافُ بنِعْمَة المُنْعِم على وَجْهِ الخُضُوعِ. و قيل الثَّنَاءُ على المُحْسِن بذِكْرِ إِحسانِه، و قيل: هو عُكُوفُ القَلْبِ على مَحَبَّةِ المُنْعِمِ، و الجَوَارِحِ على طاعَتهِ، و جَرَيَان اللّسَانِ بذِكْرِه و الثَّنَاء عليه، و قيل: هو مُشَاهَدَةُ المِنَّةِ و حِفْظُ الحُرْمَةِ.
و ما أَلْطَفَ ما قالَ حَمْدُونُ القَصّارُ: شُكْرُ النِّعْمَة أَنْ تَرَى نَفْسَك فيها طُفَيْلِيّاً.
و يَقْرُبُه قولُ الجُنَيْدِ: الشُّكْرُ أَنْ لا تَرَى نَفْسَك أَهْلاً للنِّعْمَةِ.
و قال أَبو عُثْمَان: الشُّكْرُ معرِفَةُ العَجْزِ عن الشُّكْرِ ، و قيل:
هو إِضافَةُ النِّعَم إِلى مَوْلاها.
و قال رُوَيْمٌ: الشُّكْرُ : اسْتِفْراغُ الطَّاقَةِ، يعنِي، في الخِدْمَةِ.
و قال الشِّبْلِيّ: الشُّكْرُ رُؤْيَةُ المُنْعِمِ لا رَؤْيَةُ النِّعْمَة، و معناه أَن لا يَحْجُبَه رُؤْيةُ النِّعْمَةِ و مُشَاهدَتُها عن رُؤْيَةِ المُنْعِمِ بها، و الكَمَالُ أَن يَشْهَدَ النِّعْمَةَ و المُنْعِمَ؛ لأَنّ شُكْرَه بِحَسَبِ شُهودِه للنِّعْمَة، و كُلَّمَا كان أَتَمَّ كان الشُّكْرُ أَكمَل، و اللََّه يُحِبُّ من عَبْدِه أَن يَشْهَد نِعَمَه، و يَعْتَرِفَ بها، و يُثْنِيَ عليه بها، و يُحِبَّه عليها، لا أَنْ يَفْنَى عنها، و يَغِيبَ عن شُهودِهَا.
و قيل: الشُّكْرُ قَيْدُ النِّعَمِ المَوْجودةِ، و صَيْدُ النِّعمِ المَفْقُودةِ.
ثم قال: و تكلَّم الناسُ في الفَرْقِ بين الحَمْدِ و الشُّكْرِ ، أَيُّهُما أَفْضَلُ؟و 16- في الحديث : «الحَمْدُ رأْسُ الشُّكْرِ ، فمن لم يَحْمَدِ اللََّه لم يَشْكُرْه » . و الفَرْقُ بينهما أَنَّ الشُّكْرَ أَعمُّ من جِهَةِ أَنواعِه و أَسبابِه، و أَخَصُّ من جِهَةِ مُتَعَلَّقَاتِه، و الحَمْدُ أَعَمُّ من جِهَةِ المُتَعَلِّقات و أَخَصُّ من جِهَةِ الأَسبابِ، و معنَى هََذا أَنَّ الشُّكْرَ يكونُ بالقَلْبِ خُضُوعاً و استكانَةً، و باللِّسَانِ ثَنَاءً و اعترافاً، و بالجوارِحِ، طاعَةَ و انقياداً، و مُتَعَلَّقُه المِنْعِمُ دونَ الأَوْصافِ الذّاتِيّة، فلا يقال: شَكَرْنَا اللََّه على حَيَاتِه و سَمْعِه و بَصرِه و عِلْمِه، و هو المَحْمُودُ بها، كما هو محمودٌ على إِحسانِه و عَدْله، و الشُّكْرُ يكون على الإِحسانِ و النِّعمِ، فكلُّ ما يَتَعَلَّقُ به الشُّكْرُ يَتَعَلَّقُ به الحَمْدُ يقع به الشُّكْرُ ، من غير عكس، فإِنَّ الشُّكُرَ يَقَعُ بالجَوَارِحِ، و الحَمْدَ باللسان.
و الشُّكْرُ منَ اللََّه المُجَازاةُ و الثَّنَاءُ الجَمِيلُ. يقال: شَكَرَه و شَكَرَ لَهُ ، يَشْكُرُه شُكْراً ، بالضَّمّ، و شُكُوراً كقُعُودٍ، و شُكْراناً ، كعُثْمَان، و حَكَى الّلحْيَانِيّ:
شَكَرتُ اللََّه ، و شَكَرْتُ للََّه، و شَكَرْتُ بِاللََّه، و كذََلك شَكَرْتُ نِعْمَةَ اللََّه، و شَكَرْتُ بِهَا. و في البَصائِرِ للمصَنّف: و الشُّكْرُ : الثَّنَاءُ على المُحْسِنِ بما أَوْلاَكَه من المَعْرُوفِ، يقال: شَكَرْتُه ، و شَكَرْتُ له، و باللامِ أَفْصَحُ. قال تَعَالى: وَ اُشْكُرُوا لِي[3] و قال جَلّ ذِكْرُه: أَنِ اُشْكُرْ لِي وَ لِوََالِدَيْكَ[4] و قوله تعالى: لاََ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزََاءً وَ لاََ شُكُوراً[5] يحْتمل أَن يكونَ مَصدراً مثل قَعَدَ قُعُوداً، و يحتمل أَن يكونَ جَمْعاً مثْل بُرْدٍ و بُرُودٍ.