ظهور مادة الامر فى الوجوب بعد ما عرفت من عدم وضعه لذلك فهل يكون منشؤه غلبة استعماله في الوجوب او هو قضية الاطلاق و مقدمات الحكمة لا وجه لدعوى الاول لكثرة استعماله في الاستحباب كما يشهد له ما ذكره صاحب المعالم فراجع فينحصر الوجه في الثاني و تقريبه يكون بنحوين (احدهما) ان الطلب الوجوبي هو الطلب التام الذي لاحد له من جهة النقص و الضعف بخلاف الطلب الاستحبابي فانه مرتبة من الطلب محدودة بحد من حدود النقص و الضعف و لا ريب في ان الوجود غير المحدود بحد ما لا يفتقر في مقام بيانه و الاشارة اليه الى اكثر مما يدل عليه بخلاف الوجود المحدود فانه يفتقر في هذا المقام الى بيان حدوده كما يفتقر الى بيان أصله و عليه يلزم حمل الكلام الذي يدل على الطلب بلا ذكر حد له على المرتبة التامة منه و هو الوجوب كما هو الشأن في كل مطلق (ثانيهما) انه لا ريب في كون كل طالب امرا من غيره انما يامره به لأجل ايجاده في الخارج فلا بد ان يكون طلبه اياه في حد ذاته لا قصور فيه في مقام التوسل الى ايجاده و ليس ذلك إلّا الطلب الالزامي الذي يستلزم امتثاله استحقاق الثواب و عصيانه استحقاق العقاب و لو كان هناك ما يقتضي قصوره عن التأثير التام في وجود المطلوب و لو لقصور المصلحة الموجبة لطلبه في نفسها او لمانع يوجب قصورها عرضا لوجب عليه ان يطلبه بتلك المرتبة من الطلب التي تستدعيها تلك المصلحة لأن تلك المرتبة من الطلب هي التي يترتب عليها غرضه فاذا اشار اليها في مقام البيان و إلّا فقد اخل في بيان ما يحصل به غرضه و عليه يكون اطلاق الامر دليلا على طلبه الذي يتوسل به الطالب الى ايجاد مطلوبه بلا تسامح فيه و ليس هو إلّا الطلب الوجوبي فاتضح مما تقدم ان مادة الامر و ان لم تكن حقيقة في الوجوب و لكن بمقتضى الوجهين المزبورين تكون ظاهرة فيه و لا غرو في ذلك فان الاطلاق كما يكون مقتضاه سعة مدلوله في الصدق كذلك قد يكون مقتضاه تضييق مدلوله في الصدق كما قيل بذلك في اطلاق صيغة افعل.
[فى تمسك لدلالة لفظ الامر على الوجوب]
(ثم انه قد يستدل) على كون مادة الامر موضوعة للطلب الوجوبي بآيات و اخبار «منها» قوله تعالى فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ* و منها* قوله تعالى مخاطبا لابليس ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ* و منها* قوله (صلى اللّه عليه و آله)