و من هنا يعلم أنّ التقييد لا بدّ أن يكون ممكنا له و إلّا لما استفيد الإطلاق من كلامه.
إذن في مرحلة الإثبات يكون التقابل بين الإطلاق و التقييد هو تقابل العدم و الملكة، إلّا أنّ محلّ كلامنا هو التقابل في مرحلة الثبوت، و الإطلاق الثبوتي للماهية غير مشروط بكون الماهية قابلة للتقييد، لأنّ سعة الماهية و انطباقها على تمام أفرادها أمر ذاتي لها.
و عليه فالقول الثاني غير تام أيضا كالأول.
و من هنا يتعين القول الثالث، و هو أنّ التقابل بينهما هو تقابل التناقض.
بل لو أردنا أن ندقق النظر، نرى أنّ القول الثالث غير صحيح أيضا، لأنّ معنى كون الإطلاق و التقييد متقابلين، هو ورودهما على موضوع واحد، و هذا غير متحقق في المقام، لأنّ انطباق الماهية على تمام أفرادها هو أمر ذاتي لها كما عرفت و الذاتي لا يتخلف أصلا، و هذا معنى الإطلاق، و أمّا التقييد فهو تحصص في هذا الأمر الذاتي، و ليس تخصيصا، لأنّ التقييد يصنع لنا مفهوما آخر غير المفهوم الأول، فمثلا: مفهوم «إنسان» قابل للانطباق على تمام أفراده، فإذا قيّد «بالعالم»، فيحدث عندنا مفهوم آخر و هو مفهوم «إنسان عالم»، و هذا مغاير للمفهوم الأول، و المفاهيم في عالم الذهن متباينة حتى لو كان بينهما عموم و خصوص مطلق، إذن فالإطلاق يرد على مفهوم و التقييد يرد على مفهوم آخر، و عليه فلا تقابل بينهما أصلا، إلّا أنّه من باب التسهيل في العبارة، نعبّر عنهما بالمتقابلين تقابل السلب و الإيجاب، أي التناقض.
[ثمرات هذا التقابل]
ثم إنّ هناك ثمرات عملية تظهر بين هذه الأقوال الثلاثة.
منها: إنّه بناء على القول الثالث لا يتصوّر شق ثالث في قبال المطلق و المقيد، لاستحالة ارتفاع النقيضين، بينما يتصوّر ذلك بناء على القولين، الأول و الثاني، حيث يمكن أن يتصوّر شق ثالث لم يلحظ فيه القيد و لا عدمه، و يسمّى بالماهية المهملة مثلا.