الدليلين أجرينا أولا الأصل في المرتبة الثانية ثم أجرينا الأصل في المرتبة الأولى، و من جرّاء ذلك، واجهنا التعارض، و حينئذ، كما يمكن حلّ هذا التعارض بدفع اليد عن اصالة عدم التخصيص، كذلك يمكن حلّه برفع اليد عن اصالة عدم النسخ.
التقريب الثالث، للجواب الثالث، و يدّعى فيه أنّ الحمل على النسخ هو جمع غير عرفي بين الدليلين، بينما الحمل على التخصيص هو جمع عرفي بينهما، إذن، فالأمر ليس دائرا بين جمعين عرفيين، بل هو دائر بين جمع عرفي، و جمع غير عرفي، و لا إشكال حينئذ في تقديم الجمع العرفي.
و بهذا يختلف هذا التقريب عن سابقيه، لأنّ السابقين كان يتعرف كلّ منهما بأنّه جمع عرفي في نفسه، و أمّا هنا فيقال: بأنّ الجمع بالحمل على النسخ ليس عرفيا، و هذا التقريب يمكن أن يبيّن بأحد بيانين.
1- البيان الأول: هو ما ذكره المحقق العراقي (قده)[1]. و حاصله: انّ الجمع العرفي إنّما يتصور في مورد يؤدّي الجمع فيه إلى العمل بكلا الدليلين، لكن مع التصرف في أحدهما أو في كليهما بلحاظ الآخر من تقييد أو تأويل و نحو ذلك، و أمّا إذا أدّى الجمع إلى طرح أحد الدليلين، و إسقاطه رأسا كما في الحمل على النسخ، فهذا لا يكون جمعا عرفيا، لأنّ معنى الجمع بين الدليلين هو الالتزام بهما معا.
و حينئذ نقول: إنّه في المقام عندنا عام متأخّر، و خاص متقدّم، فلو بنينا على نسخ الخاص بالعام فهو يعني أنّه بعد ورود العام لا حجية في الخاص بالنسبة إلينا أصلا، أمّا بلحاظ زمان ما بعد ورود العام، فلأنّ الخاص منسوخ، و أمّا بلحاظ زمان ما قبل ورود العام، فلأنّه خارج عن محل ابتلائنا، لعدم وجودنا آنذاك، إذن فلا معنى لكونه حجة في حقنا، فالنسخ يعني، انّ الخاص لن يكون حجة في حقنا على الإطلاق.