و هذه مسألة تحتاج إلى مرور زمن طويل كي تستقر هذه الفكرة في أذهان العرف و تتحول إلى شعور ارتكازي يضعّف هذا الظهور في قبال ذاك.
و لو فرضنا انّ هذا حصل في فترة متأخرة، إذن فعند حصولها لم يكن ظهور العام أقل من ظهور الخاص، و حينئذ لا ينطبق هذا الكلام على ما قبل هذه الفترة التي ارتكزت فيها هذه الفكرة المذكورة.
الأمر الثالث: هو أن يبلغ شيوع التخصيص حدا يصدق معه دعوى:
«انّ ما من عام إلّا و قد خص» أو لا، و هذه الدعوى و إن كانت صحيحة في باب المطلقات بالجملة، كما في المطلقات الدالة على الإطلاق بمقدمات الحكمة، لكن في باب العمومات الدالة على العموم بالوضع فهي غير مسلمة، و ذلك لقلة هذه العمومات الوضعية، خصوصا بناء على المختار، من انّ الجمع المحلّى باللّام، و المفرد المحلّى باللام، و الجمع المضاف، و النكرة في سياق النفي، كل هذا ليس من أدوات العموم، و إنّما العموم الوضعي ما كان بأداة، «كل، و جميع»، إذن، فكل هذه مطلقات حكميّة، و دائرة العموم الوضعي فيها ضيّقة، و أمثلتها في الكتاب و السنة قليلة، و حينئذ، لا نسلم انّه في حدود هذه الدائرة الضيّقة، يكون التخصيص شائعا، كي يوجب تقديمه على النسخ.
التقريب الثاني: لهذا الجواب الثاني هو أن يقال: إنّا قد عرفنا بأنّ الشارع كثيرا ما كان يعتمد على القرائن المنفصلة، بخلاف العرف كما تقدّم، و قد ذكرنا سابقا في بحث وجوب الفحص عن المخصّص قبل العمل بالعام، فقلنا: إنّ العمومات الصادرة من المولى لا يشملها دليل الحجية، فهي ليست حجة بنفسها، لأنّ دليل الحجية إنّما هو السيرة العقلائية، و هي دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقّن، و هي لم تنعقد على حجية عمومات مثل هذا المولى الذي يعتمد على القرائن المنفصلة، و إنّما بني على حجيّة عموماته باعتبار سيرة المتشرعة.
و من الواضح، انّ سيرة المتشرعة إنّما قامت على حجية هذه العمومات