قلت: لأن في سنده أبا قدامة الحارث بن عبيد الإيادي، و قد قال أحمد: مضطرب الحديث، و قال ابن معين: ضعيف، لكن أخرج له البخاري في المتابعات، و احتجّ به مسلم، و اللّه أعلم.
فهذا الحديث مع الذي قبله يدل على أن ذلك كان بالمدينة؛ لأن عائشة أخبرت عن مشاهدة ذلك، و هي لم تكن عنده (صلى اللّه عليه و سلّم) بمكة، و يعارض ذلك ما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عن جابر: كان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و سلّم) إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه حتى نزلت: وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، فذهب ليبعث معه، قال: «يا عمّ، إن اللّه قد عصمني، لا حاجة لي إلى من تبعث [1]».
و ما أخرجه الطبراني و غيره عن ابن عباس: كان النبي (صلى اللّه عليه و سلّم) يحرس، و كان يرسل معه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم حتى نزلت هذه الآية: وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، قال: فأراد عمّه أن يرسل معه من يحرسه، فقال: «يا عمّ، إنّ اللّه قد عصمني من الجنّ و الإنس [2]».
فهذا الحديث و الذي قبله يدلان على أن نزول الآية بمكة في أوائل الأمر، فحينئذ يحتاج إلى الجمع بين الروايات، و ما في الصحيح أولى، لكنا نلتزم تأخر نزول الآية بالمدينة، و ندعي أن الإنكار كان داخلا و كان في عموم التشريع لمن هو مخاطب به، بشرط استطاعته له (صلى اللّه عليه و سلّم) و هي الأمن من مفسدة تحصل له، بدليل عموم قوله تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: 159].
فلما نزلت آية العصمة وجب الإنكار مع الاستطاعة و عدمها؛ لأن اللّه تعالى تولّى حفظه و عصمته، و لهذا كان أولا يحتاج إلى الحرس، و ثانيا لا يحتاج إليه، و هذا معنى بديع تزول به إشكالات كثيرة، و اللّه أعلم.