الاضطراب إذا قمت، فإن رأيت أن تأذن لى فى الجلوس فعلت، فقال: اجلس، فجلس، ثم أنشأ يقول:
يا خير من وخدت بأرحله # نجب الرّكاب بمهمه جلس [1]
تطوى السّباسب فى أزمّتها # طىّ التّجار عمائم البرس [2]
لمّا رأتك الشّمس طالعة # سجدت لوجهك طلعة الشّمس
خير الخلائف [3] أنت كلّهم # فى يومك الماضى و فى أمس
و كذاك لا تنفكّ خيرهم # تمسى و تصبح فوق ما تمسى
من عصبة طابت أرومتها # أهل العفاف و منتهى القدس
فوق النّجوم فروع نبعتهم # و مع الحضيض منابت الغرس
إنّى رحلت إليك من فزع # كان التّوكّل عنده ترسى
ما ذاك إلاّ أنّنى رجل # أصبو إلى بقر من الإنس
بقر أوانس لا قرون لها # يقتلن بالتّطويل و الحبس
و أجاذب الفتيان بينهم # صهباء مثل مجاجة الورس
للماء فى حافاتها حبب # نظم كطىّ صحائف الفرس [4]
و اللّه يعلم فى بنيّته # ما إن أضعت إقامة الخمس
فقال له هارون: من أنت؟قال: عليّ بن الخليل الّذي يقال إنه زنديق، قال: أنت آمن، و كتب إلى حمدويه ألاّ يعرض له.
و من تركنا ذكره من هؤلاء أكثر ممن ذكرناه، و إنما اعتمدنا من كان بهذه البليّة
[1] وخدت: أسرعت، و نجب: جمع نجيب، و هو وصف للناقة الخفيفة السريعة، و المهمّة: البلد الفقر، و الجلس: الغليظ من الأرض.
[2] السباسب: جمع سبسب؛ و هى الفلاة، و التجار: جمع تجر، و تجر: جمع تاجر؛ كقولهم:
صاحب و صحب و صحاب، و البرس: القطن.
[3] م: «الخلائق» .
[4] حاشية الأصل: «ذكر س: الحباب طرائق الماء، و الحبب ما يعلو المائعات من النفاخات» .