قال صاحب الأوثق (رحمه اللّه): «إنّ المشائيّين طائفة من الحكماء لم يعتبروا في تحصيل المعارف بالرياضات و التصفية و المكاشفات، فأخذوا مسلك الاستدلال [1] و الوقوف على حقيقة الأشياء بالبرهان، و قيل في وجه تسميتهم: إنّهم كانوا كثيري المشي و التردّد إلى استادهم المعلّم الأوّل لأخذ العلوم و تعلّمها، أو كان بناء المعلّم على التدريس حين مشيه ذهابا إلى الاسكندريّة و إيابا منها، و الإشراقيّون طائفة من الحكماء أعرضوا عن طريق الاستدلال، فاعتبروا في الوقوف على حقيقة الأشياء بالكشف و الشهود بمجاهدة النفس و تصفية الباطن» [2].
و اعلم أنّ أرسطو و أرسطاطاليس واحد، و هو تلميذ أفلاطون القائل بأنّ الاستدلال و البرهان لا يكفي في كشف الحقائق و المعارف، بل يحتاج كشفها إلى تصفية الباطن ليشرق عليه أنوار الهداية؛ لأنّ العلم نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء، و أمّا تلميذه فمشى في ذلك طريق الاستدلال و البرهان لا غير، فافهم.
ثمّ اعلم أنّ الموجودات- سواء كانت جوهرا أو عرضا مثل الأجسام و الألوان- هي قارّة عند الإشراقيّين، بمعنى أنّ وجود هذا الجسم بجميع أوصافه العرضيّة كالاتّصال و الانفصال و السواد و البياض و غيرها من عوارضه الأخر، عين وجوده السابق و المتجدّد في المستقبل، فإنّ تبادل الأجرام و الموادّ فيه لا يوجب الاختلاف أصلا، لبقاء الوحدة النوعيّة بينها وجودا و ماهيّة، و كونها