فإن يكن ترك النكير على أبي بكر دليلا على صواب منعها، إن في ترك النكير على فاطمة (عليها السلام) دليلا على صواب طلبها، و أدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت و تذكيرها ما نسيت و صرفها عن الخطأ و رفع قدرها عن البذاء، و أن تقول هجرا و تجوّر عادلا أو تقطع واصلا. فإذا نجدهم أنكروا على الخصمين جميعا فقد تكافأت الأمور و استوت الأسباب، و الرجوع إلى أصل حكم اللّه في المواريث أولى بنا و بكم و أوجب علينا و عليكم.
فإن قالوا: كيف تظنّ به ظلمها و التعدّي عليها، و كلما ازدادت عليه غلظة ازداد لها لينا و رقّة، حيث تقول له: و اللّه لا أكلّمك أبدا، فيقول: و اللّه لا أهجرك أبدا. ثم تقول: و اللّه لأدعونّ اللّه عليك، فيقول: و اللّه لأدعونّ اللّه لك. ثم يتحمّل منها هذا الكلام الغليظ و القول الشديد في دار الخلافة و بحضرة قريش و الصحابة مع حاجة الخلافة إلى البهاء و التنزيه و ما يجب لها من الرفعة و الهيبة، ثم لم يمنعه ذلك عن أن قال معتذرا متقرّبا كلام المعظّم لحقها، المكبّر لمقامها، الصائن لوجهها، المتحنّن عليها: ما أحد أعزّ عليّ منك فقرا و لا أحبّ إليّ منك غنى، و لكن سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يقول: إنا معاشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه فهو صدقة.
قيل لهم: ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم و السلامة من الجور، و قد يبلغ من مكر الظالم و دهاء الماكر إذا كان أريبا و للخصومة معتادا أن يظهر كلام المظلوم و ذلة المنتصف و حدب الوامق و مقت المحقّ، و كيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة و دلالة واضحة؟ و قد زعمتم أن عمر قال على منبره: متعتان كانتا على زمن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، متعة النساء و متعة الحج، أنا أنهى عنهما و أعاقب عليهما. فما وجدتم أحدا أنكر قوله و لا استشنع مخرج نهيه و لا خطّأه في معناه و لا تعجّب منه و لا استفهمه!
و كيف تقضون بترك النكير؟ و قد شهد عمر يوم السقيفة و بعد ذلك أن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) قال:
«الأئمة من قريش»، ثم قال في شكايته: لو كان سالم حيا ما تخالجني فيه الشك، حين أظهر الشك في استحقاق كل واحد من الستة الذين جعلهم شورى، و سالم عبد لامرأة من الأنصار و هي أعتقته و حازت ميراثه، ثم لم ينكر ذلك من قوله منكر، و لا قابل إنسان