لما حضرت فاطمه (عليها السلام) الوفاة قالت لعلي (عليه السلام): أ تنفذ وصيتي و عهدي أو لأعهدنّ إلى غيرك؟ قال: بلى أنفذها. فأوصت إليه فقالت: إذا أنا متّ فادفنّي ليلا و لا تؤذننّ رجلين ذكرتهما.
قال: فلما اشتدّت علّتها، اجتمع إليها نساء المهاجرين و الأنصار- ذا صباح- فقلن:
كيف أصبحت- يا بنة رسول اللّه- من علّتك؟ قال:
أصبحت و اللّه عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم؛ شنئتهم بعد إذ سبرتهم، و لفظتهم بعد إذ عجمتهم. فقبحا لفلول الجد، و خور القناة، و خطل الرأي، و «لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ». [1]
ويحهم! لقد زحزحوها عن رواسي الرسالة، و قواعد النبوة، و مهبط الروح الأمين، و الطيبين لأهل الدنيا و الدين؛ ألا «ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ». [2]
و ما الذي نقموا و اللّه من أبي الحسن؟ نقموا و اللّه نكير سيفه، و نكال وقعته، و شدة وطئه، و تنمره في ذات اللّه. و اللّه لقد يكافوا على زمام نبذه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لاعتقله، و لسار بهم سيرا سبجحا؛ لا يتكلم حشاشة، و لا تقعقع راكبه، و لا وردهم موردا نميرا ضفتاه، و لأصدرهم بطانا قد تحيّرهم الرّي، غير منحل منه بطائل إلا بغمزه الناهز، و ردعه سورة الثاغب.
تفسيره: الغمر: الكثير من الماء، و النهز: الضرب؛ يقال: نهز الدلو البئر، إذا ضرب بها الماء لتمتلئ، و الردعة: الوجل الشديد.