أصبحت و اللّه عائفة لدنياكنّ، قالية لرجالكنّ؛ لفظتهم بعد أن عجمتهم، و سئمتهم بعد أن سبرتهم. فقبحا لفلول الحد، و اللعب بعد الجدّ، و قرع الصفات، و صدع القناة، و ختل الآراء، و زلل الأهواء، و «لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ فِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ». [1]
لا جرم، لقد قلّدتهم ربقتها، و حملتهم أوقتها، و شننت عليهم غاراتها؛ فجدعا و عقرا و بعدا للقوم الظالمين.
يحهم! أنّى زعزعوها عن رواسي الرسالة، و قواعد النبوة و الدلالة، و مهبط الروح الأمين، و الطبين بأمور الدنيا و الدين؛ ألا «ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ». [2]
و ما الذي نقموا من أبي الحسن (عليه السلام)؟ نقموا و اللّه منه نكير سيفه، و قلّة مبالاته لحتفه، و شدة وطأته، و نكال وقعته، و تنمّره في ذات اللّه، و تاللّه لو مالوا عن المحجّة اللائحة و زالوا عن قبول الحجة الواضحة، لردّهم إليها، و حملهم عليها، و لسار بهم سيرا سبجحا لا يكلم حشاشه، و لا يكلّ سائره، و لا يملّ راكبه، و لأوردهم منهلا نميرا صافيا رويّا، تطفح صفتاه و لا يترنّق جانباه، و لأصدرهم بطانا، و نصح لهم سرا و إعلانا، و لم يكن يتحلى من الدنيا بطائل، و لا يحظّي منها بنائل، غير ري الناهل، و شبعة الكافل، و لبان لهم الزاهد من الراغب، و الصادق من الكاذب؛ «وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ[3]وَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَ ما هُمْ بِمُعْجِزِينَ». [4]
ألا هلمّ فاسمع، و ما عشت أراك الدهر عجبا، و إن تعجب فعجب قولهم. ليت شعري إلى أيّ إسناد استندوا، و إلى أيّ عماد اعتمدوا، و بأيّة عروة تمسّكوا، و على أيّة