و يقينها بفناء الدنيا و توجّه نفسها القدسية و انصراف همّتها العالية دائما إلى اللذات المعنوية و الدرجات الأخروية، لا تناسب مثل هذا الاهتمام في أمر فدك و الخروج إلى مجمع الناس و المنازعة مع المنافقين في تحصيله.
و الجواب عنه من وجهين:
الأول: إن ذلك لم يكن حقا مخصوصا لها، بل كان أولادها البررة الكرام مشاركين لها فيه، فلم يكن يجوز لها المداهنة و المساهلة و المحاباة و عدم المبالاة في ذلك، ليصير سببا لتضييع حقوق جماعة من الأئمة الأعلام (عليهم السلام) و الأشراف الكرام.
نعم، لو كان مختصّا بها، كان لها تركه و الزهد فيه و عدم التأثر من فوته.
الثاني: إن تلك الأمور لم تكن لمحبة فدك و حبّ الدنيا، بل كان الغرض إظهار ظلمهم و جورهم و كفرهم و نفاقهم، و هذا كان من أهمّ أمور الدين و أعظم الحقوق على المسلمين.
و يؤيّده أنها (عليها السلام) صرّحت في آخر الكلام حيث قالت: «قلت ما قلت على معرفة منّي بالخذلة». و كفى بهذه الخطبة بيّنة على كفرهم و نفاقهم، و نشيّد ذلك بإيراد رواية بعض المخالفين في ذلك:
روى ابن أبي الحديد في سياق أخبار فدك، عن أحمد بن عبد العزيز الجوهري: أن أبا بكر لما سمع خطبة فاطمة (عليها السلام) في فدك، شقّ عليه مقالتها. فصعد المنبر فقال: أيها الناس! ما هذه الرعة إلى كل قالة؟ أين كانت هذه الأماني في عهد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)؟ ألا من سمع فليقل و من شهد فليتكلّم.
إنما هو ثعالة شهيده ذنبه، مربّ بكل فتنة؛ هو الذي يقول: كروها جذعة بعد ما هرمت؛ تستعينون بالضعفة و تستنصرون بالنساء، كأم طحال أحبّ أهلها إليها البغي. ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت، و لو قلت لبحت، إني ساكت ما تركت.