أيها بني قيلة! أ أهضم تراث أبي و أنتم بمرأى و مسمع؟ تبلغكم الدعوة و تشملكم الصوت، و فيكم العدة و العدد، و لكم الدار و الجنن، و أنتم نجبة اللّه التي انتجت، و خيرة اللّه التي اختار؛ فاديتم العرب، و ناطحتم الأمم، و كافحتم البهم، حتى دارت بكم رحى الإسلام، و درّ حلبه، و خبت نيران الحرب، و سكنت فورة الشرك، و هدأت دعوة الهرج، و استوثق نظام الدين. أ فتأخّرتم بعد الإقدام، و جبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكثوا أيمانهم من بعد إيمانهم و طعنوا في دينكم؟ فقاتلوا أئمة الكفر، «إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ». [1]
ألا و قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، و ركنتم إلى الدعة، و جحدتم الدين، و وسّعتم الذي سوّغتم؛ و «إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ». [2]
ألا و قد قلت ما قلت على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم، و خور القنا، و ضعف اليقين. فدونكموها فاحتبقوها مدبرة الظهور، ناقبة الخفّ، باقية العار، موسومة الشنار، موصولة بنار اللّه الموقدة «الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ». [3] فبعين اللّه ما تعملون، «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ». [4]
ثم رجعت إلى بيتها و أقسمت أن لا تكلّم أبا بكر، و لتدعونّ اللّه عليه. و لم تزل كذلك حتى حضرتها الوفاة. فأوصت أن لا يصلّي عليها؛ فصلّى عليها العباس و دفنت ليلا.
المصادر:
1. شرح نهج البلاغة لابن ميثم: ج 5 ص 104، عن كتاب المنظوم و المنثور.
2. كتاب المنظوم و المنثور في كلام نسوان العرب من الخطب و الشعر: ج 5. [5]
[5]. قال ابن ميثم: وجدت هذه الخطبة عنها (عليها السلام) في ج 5 من كتاب «المنظوم و المنثور في كلام نسوان العرب من الخطب و الشعر»، و كان مؤلفه عن متقدّمي علماء العامة، و الكتاب في خزانة المتوكل العباسى.