و لا أرث أبي؟ لقد جئت شيئا فريّا. فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك؛ فنعم الحكم اللّه، و الزعيم محمد (صلّى اللّه عليه و آله)، و الموعد القيامة، «و عند السَّاعَةُ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ و لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ[1]مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ مُقِيمٌ».
قال: ثم التفتت إلى قبر أبيها فتمثّلت بقول هند بنت أمامة:
قد كان بعدك أنباء و هنبثة * * * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم * * * لما قضيت و حالت دونك الترب
تجهّمتنا رجال و استخفّ بنا * * * إذ غبت عنا فنحن اليوم مغتصب
قال: فلم ير الناس أكثر باكيا و باكية منهم يومئذ.
ثم عدلت إلى مسجد الأنصار و قالت:
يا معشر الأنصار، و أعضاد الملة، و حضنة الإسلام! ما هذه الفترة عن نصرتي، و الونيّة عن معونتي، و الغميزة في حقي، و السنة عن ظلامتي؟ أ ما قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله):
«المرء يحفظ في ولده»؟ سرعان ما أحدثتم، و عجلان ما آتيتم!
أ لإن مات رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أمتّم دينه؛ ها إن موته- لعمري- خطب جليل، استوسع وهيه، و استنهر فتقه، و فقد راتقه، و أظلمت الأرض له، و خشعت الجبال، و أكدت الآمال.
أضيع بعده الحريم، و هتكت الحرمة، و أزيلت المصونة، و تلك نازلة أعلن بها كتاب اللّه قبل موته، و أنبأكم بها قبل وفاته، فقال: «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ». [2]