أو أن يبتغوا إلى دفائن الأرض سببا، لكان ذلك أقرب إليهم و أسرع من رجع الطرف و مدّ البصر؛ فما وجه هذا الإصرار في خصوص فدك على هؤلاء الكفار الفجار؟
حتى انتهى الأمر إلى خروج إلى جامع المهاجرين و الأنصار، و محضر الشهود و النظار، و المكالمة مع الفجار و الأبرار، و كذا البكاء و الأنين عند جماعة الموافقين و المنافقين، و خطاب المعاتبة على أمير المؤمنين (عليه السلام)، و غير ذلك مما يأتي تفصيله في محله.
و الجواب عن الأمرين معا كما يظهر من الروايات: إن الضرورات تبيح المحذورات، و أنهم (عليهم السلام) لم يكونوا مكلّفين إلا بالعمل على طبق الصورة الظاهرية، و الاتصاف بلوازم البشرية، و تأذّيهم مما يخالف القواعد الشرعية أشدّ من تأذّينا، لما فيهم من الأسرار الباطنية و السرائر الداخلية.
مع ما في هذا الإصرار من الإشارة إلى فظاعة أمر تلك الولاية الباطلة و شناعة هذه الخلافة التي تقمّصها غصبا ابن أبي قحافة، و أنه كان يعلم أن محلّ علي أمير المؤمنين (عليه السلام) منها محلّ القطب من الرحى.
و التنبيه على كفر العمرين للناس من باب إتمام الحجة و إيضاح المحجة، لئلا يقولوا يوم القيامة: «إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ»[1]، أو كنا نحن بهذا الأمر جاهلين؛ نظير ما فعل موسى بهارون أخيه من الأخذ بلحيته و الضرب على رأسه حتى يتّضح عند الناس قبح عبادة العجل و شناعتها؛ «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ». [2]
بل كان معنى كلامه هذا في فدك راجعا إلى الكلام في خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) التي غصبها أهل الجور و العناد، «الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ. فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ»[3]، و كان في هذه المعركة العظمى و البناء العظيم تمييز أهل الجنة من أهل الجحيم.