و كان بكاؤها (عليها السلام) في الباطن لأجل الهالكين من أمة أبيها و السالكين لمسالك الضلالة، الثاوين في مهاويها، إلى غير ذلك مما يظهر من الأخبار و الآثار لمن كان من أولي الأيدي و الأبصار.
و قال الفاضل البهبهاني في المقامع: إن أخبار تكلّم فاطمة (عليها السلام) في أمر فدك في المسجد في حضور الصحابة متواترة البتة، و كانت هي (عليها السلام) أعلم من غيرها بالأحكام الشرعية، و لعله من باب الضرورة التي يجوز لأجلها تكلّم النساء مع الرجال بإجماع الأمة.
و أما تكلّمها مع سلمان و جابر و سائر الصحابة، فلم يتحقّق لنا، و بعض النظرات الواقعة منهم و منها لعله من باب الاتفاقيات الضرورية، أو أن الأحكام بالنسبة إلى الأعصار مختلفة، و لعله لم ينزل في تلك الأوقات آية الحجاب و نحوه، و على نحوه يحمل ما ورد أن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) سمع صوت جماعة من النساء في ليلة زفاف فاطمة (عليها السلام)، على فرض أن كانت فيهنّ من لم تكن محرّما بالنسبة إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، انتهى.
و قال الفاضل الدربندي: إن تكلّم فاطمة (عليها السلام) في غير مقام الضرورة المجوّزة إنما كان مع الصحابة الذين لم يكونوا من جملة أولي الإربة كسلمان و أبي ذر و نحوهما لا مطلقا، و كذلك الكلام في مسألة النظر، فإنه نظير الكلام في الكلام.
و قد استثنى اللّه في آية الحجاب غير أولي الإربة من الرجال و الطفل الذين يظهروا على عورات النساء، و المناط في النظر و الكلام متّحد و الكلام فيهما من واد واحد، إذ المدرك في حرمتهما- كما يظهر من الأخبار أيضا- هو كون الرجال من أولي الإربة في النساء لا غيره.
و على ذلك يحمل ما ورد أن الحسين (عليه السلام) أمر أهل بيته يوم الطفّ عند اشتداد الحرب بالخروج من الخدر، تحريضا للأصحاب على المجاهدة و القتال في ميدان المعركة، حيث قال: يا زينب و يا أم كلثوم و يا رقية و يا سكينة و يا أهل بيت النبوة! أخرجن من خدور كنّ.