آخذا بأكظامهم، داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة؛ يجذّ الأصنام، و ينكت الهام حتى انهزم الجمع و ولّوا الدبر، و حتى تفري الليل عن صبحه، و أسفر الحق عن محضه، و نطق زعيم الدين، و خرست شقاشق الشياطين، و فهتم بكلمة الإخلاص مع النفر البيض الخماص الذين أذهب اللّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيرا.
«وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ»[1]، فأنقذكم منها مذقة الشارب، و نهزة الطامع، و قبسة العجلان، و موطاة (و مؤظاه خ ل و موطئ خ ل) الأقدام؛ تشربون الطرق، و تقتاتون القدّ، أذلة خاشعين، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم.
فانقذكم اللّه بنبيّه (صلّى اللّه عليه و آله) بعد اللتيا و التي و بعد أن مني ببهم الرجال، و ذؤبان العرب؛ «كُلَّما حشوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ»[2]، و نجم قرن الضلالة و فغر فاغر من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، و يحمد لهبها بسيفه، مكدودا دؤبا في ذات اللّه، و أنتم في رفهينة و رفغينة، وادعون آمنون، تتوكّفون الأخبار و تنكصون عن النزال.
فلما اختار اللّه لنبيه (صلّى اللّه عليه و آله) دار أنبيائه و أتمّ عليه ما وعده، ظهرت حسيكة النفاق، و سمل جلباب الإسلام، فنطق كاظم، و نبغ خامل، و هدر فينق الكفر يخطر في عرصاتكم. فاطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفا بكم، فوجدكم لدعائه مستجيبين، و للغرة فيه ملاحظين، و استنهضكم فوجدكم خفافا، و أحمشكم فوجدكم غضابا، هذا و العهد قريب و الكلم رحيب، و الجرح لمّا يندمل؛ فوسمتم غير إبلكم و أوردتموها شربا ليس لكم، و الرسول لمّا يقبر بدار، أزعمتم خوف الفتنة؟ «أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ». [3]
فهيهات منكم و كيف بكم و أنّى تؤفكون؟ و كتاب اللّه جل و عز بين أظهركم، قائمة فرائضه، واضحة دلائله، نيّرة شرائعه؛ زواجره واضحة، و أوامره لايحة، أرغبة عنه