ثم قالت (عليها السلام): و أنتم عباد اللّه نصب أمره و نهيه، و حملة كتاب اللّه و وحيه، أمناء اللّه على أنفسكم، و بلغاؤه إلى الأمم حولكم. للّه فيكم عهد قدّمه إليكم، و بقية استخلفها عليكم؛ كتاب اللّه بينة بصائره، و آي منكشفة سرائره، و برهان فينا متجلّية ظواهره، مديما للبرية استماعه، قائدا إلى الرضوان أتباعه، و مؤديا إلى النجاة أشياعه، فيه تبيان حجج اللّه المنيرة، و مواعظه المكرورة، و محارمه المحذورة، و أحكامه الكافية، و بيناته الجالية، و جمله الكافية (الشافية خ ل)، و شرائعه المكتوبة، (المكنونة خ ل)، و رخصه الموهوبة.
ففرض اللّه الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، و الصلاة تنزيها لكم من الكبر، و الزكاة تزييدا لكم في الرزق، و الصيام تبيينا إمامتنا، و الحجّ تسنية للدين، و العدل تنسكا للقلوب، و طاعتنا نظاما للملة، و إمامتنا لمّا للفرقة، و الجهاد عزّ الإسلام، و الصبر مؤونة للاستيجاب، و الأمر بالمعروف مصلحة للعامة، و البرّ بالوالدين وقاية من السخطة، وصلة الأرحام منسأة للعمر و منماة للعدد، و القصاص حقنا للدماء، و الوفاء بالنذور تعريضا للمغفرة، و توفية المكاييل و الموازين تغييرا للبخسة، و اجتناب قذف المحصنات حجابا من اللعنة، و الاجتناب عن شرب الخمور تنزيها من الرجس، و مجانبة السرقة إيجابا للعفة، و التنزّه عن أكل أموال الأيتام و الاستيثار بفيئهم إجارة من الظلم، و العدل في الأحكام إيناسا للرعية، و التبري من الشرك إخلاصا للربوبية، فاتقوا اللّه حق تقاته و أطيعوه فيما أمركم به، ف «إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ». [1]
ثم قالت (عليها السلام): أنا فاطمة بنت محمد، أقول عودا على بدء و ما أقول ذلك سرفا و لا شططا. فاسمعوا إلىّ بأسماع واعية و قلوب راعية.
ثم قالت: «لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ»[2]، فإن تعزّوه تجدوه أبي دون آبائكم، و أخا ابن عمى دون رجالكم، فبلغ الرسالة صار بالرسالة، ناكبا (مائلا خ ل) عن سنن مدرجة المشركين، ضاربا لثبجهم،