أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد؛ الحمد للّه على ما أنعم، و له الشكر بما ألهم، و الثناء بما قدّم، من عموم نعم ابتدأها، و سبوغ آلاء أسداها، و إحسان منن أولاها. جمّ عن الإحصاء عددها، و ناى عن المجازاة مزيدها، و تفاوت عن الإدراك أبدها، و استتب الشكر بفضائلها، و استحذى الخلق بإنزالها، و استحمد إلى الخلائق بإجزالها، و أمر بالندب إلى أمثالها.
و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له؛ كلمة جعل الإخلاص تأويلها، و ضمن القلوب موصولها، و أبان في الفكر معقولها؛ الممتنع من الأبصار رؤيته، و من الألسن صفته، و من الأوهام الإحاطة به.
أبدع الأشياء لا من شيء كان قبله، و أنشأها بلا احتذاء مثله، و سمّاها بغير فائدة زادته إلا إظهارا لقدرته، و تعبّدا لبريته، و إعزازا لأهل دعوته، ثم جعل الثواب لأهل طاعته، و وضع العذاب على أهل معصيته، زيادة لعباده عن نقمته، و حياشة لهم إلى جنته.
أشهد أن أبي محمدا (صلّى اللّه عليه و آله) عبده و رسوله، اختاره قبل أن يجتبله، و اصطفاه قبل أن يبتعثه، و سمّاه قبل أن يستجيبه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، و بستر الأهاويل مضمونة، و بنهايا العدم مقرونة، علما منه بمآئل الأمور، و إحاطة بحوادث الدهور، و معرفة منه بمواقع المقدور، و ابتعثه إتماما لعلمه، و عزيمة على إمضاء حكمه، و إنفاذا لمقادير حقه.
فرأى (صلّى اللّه عليه و آله) الأمم فرقا في أديانها، و عابدة لأوثانها، عكّفا على نيرانها، منكرة للّه مع عرفانها. فأنار اللّه بأبي (صلّى اللّه عليه و آله) ظلمها، و فرّج عن القلوب بهمها، و جلا عن الأبصار عمهها.
ثم قبضه اللّه إليه قبض رأفة و اختيار، رغبة بمحمد (صلّى اللّه عليه و آله) عن تعب هذه الدار، موضوعا عنه أعباء الأوزار، محفوظا بالملائكة الأبرار، و رضوان الرب الغفار، و جوار الملك الجبار.
فصلّى اللّه عليه، أمينه على الوحي و خيرته من الخلق و رضيّه، (عليه السلام) و رحمة اللّه و بركاته.