و هذا المنع، روته عائشة كما تقدم و كانت شاهدة لما جرى بين الزهراء (عليها السلام) و أبيها، و لم تكن عائشة مجرد شاهد على الواقعة بل دعمت أباها و كانت خير معين له في دعواه، و لذا منعت أزواج النبي (صلّى اللّه عليه و آله) من المطالبة بإرثهن محتجّة عليهن بالحديث الذي أخرجه البخاري و مسلم و غيرهما من المحدثين.
عن عروة بن الزبير: أن أزواج النبي (صلّى اللّه عليه و آله) أرسلن عثمان بن عفان إلى أبي بكر يسألنه مواريثهن من سهم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بخيبر و فدك. فقالت لهن عائشة: أ ما تتّقين اللّه؟
أ ما سمعتن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يقول: لا نورّث، ما تركناه صدقة؟ إنما هذا المال لآل محمد لنائبتهم و ضعيفهم؛ فإذا متّ فهو إلى وليّ الأمر بعدي. قال: فأسكنّ.
و طلب نساء النبي (صلّى اللّه عليه و آله) إرثهن على حسب الجبلّة البشرية و العرف، إلا أن عائشة بعد موت الزهراء (عليها السلام) نسيت هذا الحديث و رجعت إلى الحق و الفطرة البشرية؛ فتراها تطرق باب عثمان للمطالبة بإرثها من النبي (صلّى اللّه عليه و آله).
روى شريك بن عبد اللّه في حديث رفعه: أن عائشة و حفصة أتتا عثمان حين نقص أمهات المؤمنين ما كان يعطيهن عمر فسألتاه أن يعطيهما ما فرض عمر، فقال: لا و اللّه ما ذاك لكما عندي. فقالتا له: تأتنا ميراثنا من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) من حيطانه، و كان عثمان متكئا فجلس و كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) جالسا عنده، فقال: ستعلم فاطمة أني ابن عم لها اليوم، أ لستما اللتين شهدتما عند أبي بكر و لفقتما و معكما أعرابيا يتطهّر ببوله مالك بن الحويرث بن الحدثان، فشهدتم أن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) قال: إنا معاشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة؟ فإن كنتما شهدتما بحق فقد أجزت شهادتكما على أنفسكما، و إن كنتما شهدتما بباطل فعلى من شهد بالباطل لعنة اللّه و الملائكة و الناس أجمعين.
فقالتا له: يا نعثل! و اللّه لقد شبّهك رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) بنعثل اليهودي. فقال لهما: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَ امْرَأَتَ لُوطٍ». [1] فخرجتا من عنده.