قوله: «يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ»[1]، يقول: يرث مالي و يرث من آل يعقوب النبوة.
و يتوجّه على أبي صالح سؤال: الفرق أولا و أنه تعالى لم يقل: يرث من يعقوب لتتوهم إرادة النبوة، بل الآية: «و يرث من آل يعقوب» و هم أقارب زكريا.
الشاهد الثاني: أن زكريا دعا ربه أن يجعل المسئول رضيّا يرضاه اللّه تعالى و يرضاه عباده، و هذا الدعاء يوافق كلام من لم يؤول بل حمل الميراث على ظاهره من المال دون العلم، لأنه متى سأل ربه أن يهب له وارثا في علمه و نبوته أدخل في سؤاله كونه «رضيا»، لأن من يطلب كونه يرث النبوة لا يكون غير رضي، فلا معنى لاشتراطه على اللّه تعالى ثانيا. فهذا السؤال حينئذ نظير من يقول: اللهم ابعث لنا نبيا كاملا بالغا عاقلا.
فإن قالوا: إن يحيى قتل قبل زكريا، فلو حمل الإرث على المال لما استجاب اللّه تعالى دعاء زكريا، و الحال أنه سبحانه استجاب دعاءه حيث يقول عزّ من قائل: «يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى». [2] قلنا: إن ذلك الإشكال بعينه متوجه في صورة إرادة وراثة العلم و النبوة، لأن يحيى قتل قبل زكريا، فلم تصل النبوة البعدية إليه بالوراثة و لو مجازا من أبيه زكريا.
و قال في إرث سليمان بن داود:
قال اللّه تعالى: «وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ»[3]، و هذا يراد من الإرث في المال أو الأعم منه و من الجاه و الملك، كما في تفسير الفخر الرازي، و ذلك بدلالة قوله تعالى: «وَ آتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»[4]، و لا يختص بالعلم و النبوة، لأن سليمان كان نبيا على بني إسرائيل حال حياة داود من غير احتياج إلى الإرث منه، و ذلك لقوله تعالى: «فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَ كُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَ عِلْماً»[5]، و قوله تعالى حكاية عن سليمان: «يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ». [6] إلى