لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل أكثر ضجيجا و لا أعلى كلاما و لا أشد مبالغة في قول من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان عمرو بن عثمان بن عفان و عمرو بن العاص و عتبة بن أبي سفيان و الوليد بن عتبة بن أبي معيط و المغيرة بن شعبة، و قد تواطئوا على أمر واحد.
فقال عمرو بن العاص لمعاوية: أ لا تبعث إلى الحسن بن علي (عليه السلام) فنحضره، فقد أحيى سيرة أبيه و خفقت النعال خلفه .... فبعثوا إلى الحسن (عليه السلام) ... فلما أتى معاوية رحّب به و حيّاه و صافحه .... فتكلّم أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) فقال:
الحمد اللّه الذي هدى أولكم بأولنا و آخركم بآخرنا، و صلى اللّه على سيدنا محمد النبي (صلّى اللّه عليه و آله)، ثم قال: اسمعوا مني مقالتي و أعيروني فهمكم، و بك أبدأ يا معاوية.
و أما أنت يا مغيرة بن شعبة! فإنك للّه عدو و لكتابه نابذ و لنبيه مكذّب، و أنت الزاني قد وجب عليك الرجم و شهد عليك العدول البررة الأتقياء؛ فأخّر رجمك و دفع الحق بالباطل و الصدق بالأغاليط، و ذلك لما أعدّ اللّه لك من العذاب الأليم و الخزي في الحياة الدنيا و لعذاب الآخرة أخزى.
و أنت ضربت فاطمة بنت رسول اللّه (عليها السلام) حتى أدميتها و ألقت ما في بطنها، استذلالا منك لرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و مخالفة منك لأمره و انتهاكا لحرمته، و قد قال لها رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): أنت سيدة نساء أهل الجنة؛ و اللّه مصيّرك إلى النار، و جال و بال ما نطقت به عليك.
فبأيّ هذه الثلاثة سببت عليا (عليه السلام)؛ أنقصا من حسبه، أم بعدا من رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، أم سوء بلاء في الإسلام، أم جورا في حكم، أم رغبة في الدنيا؟! إن قلت بها فقد كذبت و كذّبك الناس ....