فضرب عمر الباب برجله فكسره، و كان من سعف. ثم دخلوا فأخرجوا عليا (عليه السلام) ملبّبا، فخرجت فاطمة (عليها السلام) فقالت: يا أبا بكر! أ تريد أن ترملني من زوجي؟ و اللّه لئن لم تكفّ عنه لأنشرنّ شعري و لأشقّنّ جيبي و لآتينّ قبر أبي و لأصيحنّ إلى ربي.
فأخذت بيد الحسن و الحسين (عليهما السلام) و خرجت تريد قبر النبي (صلّى اللّه عليه و آله).
فقال علي لسلمان: أدرك ابنة محمد، فإني أرى جنبتي المدينة تكفئان؛ و اللّه إن نشرت شعرها و شقّت جيبها و أتت قبر أبيها و صاحت إلى ربها، لا يناظر بالمدينة أن خسف بها و بمن فيها. فأدركها سلمان فقال: يا بنت محمد! إن اللّه إنما بعث أباك رحمة، فارجعي.
فقالت: يا سلمان! يريدون قتل علي (عليه السلام)، ما عليّ صبر؛ فدعني حتى آتي قبر أبي فأنشر شعري و أشقّ جيبي و أصيح إلى ربي. فقال سلمان: إني أخاف أن يخسف بالمدينة و علي (عليه السلام) بعثني إليك، يأمرك أن ترجعي له إلى بيتك و تنصرفي. فقالت: إذا أرجع و أصبر و أسمع له و أطيع.
قال: فأخرجوه من منزله ملبّبا و مروا به على قبر النبي (صلّى اللّه عليه و آله). قال: فسمعته يقول:
ي «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي»[1]، و جلس أبو بكر في سقيفة بني ساعدة و قدّم علي (عليه السلام). فقال له عمر: بايع. فقال له علي (عليه السلام): فإن أنا لم أفعل فمه؟ فقال له عمر: إذا أضرب و اللّه عنقك. فقال له علي (عليه السلام): إذا و اللّه أكون عبد اللّه المقتول، و أخا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله).
فقال عمر: أما عبد اللّه المقتول فنعم، و أما أخو رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فلا، حتى قالها ثلاثا.
فبلغ ذلك العباس بن عبد المطلب، فأقبل مسرعا يهرول. فسمعته يقول: ارفقوا بابن أخي، و لكم عليّ أن يبايعكم. فأقبل العباس و أخذ بيد علي (عليه السلام) فمسحها على يد أبي بكر. ثم خلّوه مغضبا، فسمعته يقول- و رفع رأسه إلى السماء-: اللهم إنك تعلم إن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) قد قال لي: إن تمّوا عشرين فجاهدهم، و هو قولك في كتابك: «إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ». [2]
قال: و سمعته يقول: اللهم و إنهم لم يتمّوا عشرين، حتى قالها ثلاثا، ثم انصرف.