و رجع علي من السقيفة و سألنا عنه، فقالوا: مضى إلى قبر محمد فجلس إليه. فقمت أنا و أبو بكر إليه، و جئنا نسعى و أبو بكر يقول: ويلك يا عمر! ما الذي صنعت بفاطمة؟ هذا و اللّه الخسران المبين. فقلت: إن أعظم ما عليك إنه ما بايعنا و لا أثق أن تتثاقل المسلمون عنه. فقال: فما تصنع؟ فقلت: تظهر أنه قد بايعك عند قبر محمد.
فأتيناه و قد جعل القبر قبلة، مسندا كفّه على تربته، و حوله سلمان و أبو ذر و المقداد و عمار و حذيفة بن اليمان. فجلسنا بإزائه و أو عزت إلى أبي بكر أن يضع يده على مثل ما وضع على يده و يقرّبها من يده. ففعل ذلك، و أخذت بيد أبي بكر لأمسحها على يده و أقول قد بايع؛ فقبض علي يده. فقمت أنا و أبو بكر مولّيا و أنا أقول: جزا اللّه عليا خيرا فإنه لم يمنعك البيعة لما حضرت قبر رسول اللّه. فوثب من دون الجماعة أبو ذر- جندب بن جنادة الغفاري- و هو يصيح و يقول: و اللّه- يا عدو اللّه- ما بايع علي عتيقا.
و لم يزل كلّما لقينا قوما و أقبلنا على قوم نخبرهم ببيعته و أبو ذر يكذّبنا. و اللّه ما بايعنا في خلافة أبي بكر و لا في خلافتي و لا يبايع لمن بعدي و لا بايع من أصحابه اثنا عشر رجلا لا لأبي بكر و لا لي. فمن فعل- يا معاوية- فعلي و استشار أحقاده السالفة غيري؟
و أما أنت و أبوك أبو سفيان و أخوك عتبة، فأعرف ما كان منكم في تكذيب محمد و كيده، و إدارة الدوائر بمكة، و طلبته في جبل حري لقتله، و تألف الأحزاب و جمعهم عليه، و ركوب أبيك الجمل و قد قاد الأحزاب، و قول محمد: «لعن اللّه الراكب و القائد و السائق» و كان أبوك الراكب و أخوك عتبة القائد و أنت السائق، و لم أنس أمك هندا و قد بذلت لوحشي ما بذلت حتى تمكّن لحمزة- الذي دعوه أسد الرحمن في أرضه- و طعنه بالحربة، ففلق فؤاده و شقّ عنه و أخذ كبده فحمله إلى أمك؛ فزعم محمد بسحره أنه لما أدخلته فاها لتأكله صار جلمودا فلفظته من فيها، فسمّاها محمد و أصحابه: آكلة الأكباد، و قولها في شعرها لاعتداء محمد و مقاتليه: