و نشأ عبد اللّه بن عبد المطلب أبو رسول اللّه على مكارم الأخلاق و الطهارة و الكرم و السؤدد و الشرف، و كان جميلا و سيما، و كان نور النبوة يرى بين عينيه بيّنا ظاهرا، لقرب ولادة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و رأت ذلك امرأة من العرب قيل: إنها أخت ورقة بن نوفل، و كان ورقة قد قرأ الكتب، و كان يبشّر ببعثة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يخبر بقرب ظهوره، و كانت أخته هذه تسمع ذلك منه، فلمّا رأت النور الذي بوجه عبد اللّه قدرت أنه نور النبوة و أن النبي صلّى اللّه عليه و آله في صلبه، و طمعت أن يكون منها، فدعته إلى نفسها فأبى عليها من ذلك [1].
و قيل: إن المرأة التي دعته إلى ذلك كاهنة من خثعم يقال لها: فاطمة بنت مرة من أهل تبالة، و كانت قد قرأت الكتب و كانت ذات علم، فلمّا رأت النور الذي في وجهه طمعت أن يكون لها ولد منه، فدعته إلى نفسها فأبى عليها، فلم تزل ترغّبه و تبذل له إلى أن بذلت له مائة ناقة، فأبى عليها و قال في ذلك:
أما الحرام فالممات دونه * * * و الحل لم يأت الذي تلينه
فكيف بالأمر الذي تبغينه
فلمّا وقع بزوجته جاز بها فلم تكلمه، فقال لها في ذلك، فقالت: يا فتى و اللّه ما كنت صاحبة ريبة، و لكني رأيت في وجهك نورا و أنا على علم من نبي يبعث قد قرب وقت ميلاده، فرجوت أن يكون ذلك و أن ألده، و لا أرى ذلك النور إلّا و قد زال عنك، فما كان من خبرك.
فأخبرها أنه وقع بأهله، فقالت فاطمة:
[1]- السيرة النبوية لابن هشام: 1/ 101، الطبقات الكبرى: 1/ 95، تاريخ الطبري: 2/ 5، تاريخ دمشق: 3/ 406.