به إليه إذ يكون ذلك العنوان العام مرآة و كاشفا عنه كما إذا حكمت على شبح من بعيد أنه أبيض مثلا و أنت لا تعرفه بنفسه أنه أي شيء
و العنوان محددا و مميزا للمحكوم عليه عن غيره بحيث يكون هذا الوجه الذي تصورته به غير جار على غيره و إلا فإذا كان العنوان جار على غير المحكوم عليه أيضا كان المحكوم مجهولا مطلقا فيستحيل الحكم عليه.
و حتى يتضح المقام أكثر نقول أنك تارة تحكم على الجزئي و أخرى تحكم على الكلي فإذا حكمت على الجزئي يجب أحد أمرين:
الأول: أن تأتي بعنوان يختص به بمعنى أن يكون هذا العنوان لا يصدق إلا عليه كما تحكم على الذات المقدسة بأنها قادرة فتتصور اللّه تعالى بعنوان يختص به كعنوان الخالق.
الثاني: أن تشير إليه إشارة كما تشير إلى الشبح البعيد فتقول هذا أبيض.
أما إذا لم تشر إلى الجزئي و لم تعنونه بعنوان يختص به استحال حكمك على الجزئي لأن الجزئي حينذاك يكون باق في حيز المجهولية المطلقة. و الحكم على المجهول المطلق محال كما عرفت في أول البحث.
و أما إذا حكمت على الكلي أي الماهية المفروض أنها لم تعلم تفصيلا فلا بد لك من أن تتصورها بعنوان مختص بها كما لو أردت أن تحكم على الإنسان و أنت لا تعرفه فتقول (الناطق هو كذا) أو (المتعجب كذا) أو نحو ذلك من العناوين المختصة به، و لا يمكن أن تتصور الإنسان بعنوان أعم منه كعنوان الحيوان مثلا فإن هذا العنوان لا يميز لك المحكوم عليه عن غيره.
فيكون الكلي حينذاك باق على المجهولية المطلقة فيستحيل الحكم عليه.
فتحصل من كل ما ذكرنا أنك إذا أردت الحكم على شيء فلا بد أن تتصوره إما تصورا تفصيليا، و إما تصورا بوجهه، أي بعنوان مختص به، أو بالإشارة إليه.
بقي شيء: نحو (عبد مؤمن خير من مشرك) هنا حكمنا على (عبد مؤمن) بأنه خير من مشرك. و السؤال هو أن تصور (عبد مؤمن) من أي باب.