ثم اعلم أن كل واجب هو واجب مشروط بالقياس إلى الشرائط العامة و هي البلوغ و القدرة و العقل، فالصبي و العاجز و المجنون لا يكلفون بشيء في الواقع.
و الكراهة كالحرمة و كذلك الإباحة قد تكون مطلقة و قد تكون مشروطة و الامثلة غير خفية فالحاصل أن هذا التقسيم غير مختص بالواجب بل يجري في الاحكام الخمسة.
الرابع أنك عرفت أن الفارق بين الواجب المشروط و المطلق على المذهب المشهور هو ان الواجب مشروط بالنسبة الى قيود الموضوع و مطلق بالنسبة إلى غيرها، و هذا التفريق في عالم الحكم.
و هناك فرق آخر في عالم الملاك و هو أدق من الفرق السابق.
توضيحه أنك عرفت مرارا أن المولى لا يقيد و لا يطلق الحكم إلا لمصلحة فهنا نقول ما هي المصلحة التي استوجبت على المولى أن يجعل الاستطاعة شرط وجوب بينما طي المسافة ليس شرطا للوجوب.
و بعبارة أخرى، ما هو الفارق في الملاك بين شرط الوجوب الذي هو قيد الموضوع، و بين قيود الواجب التي يجب تحصيلها مثل الطهارة للصلاة و طي المسافة للحج.
فنقول حاصله أن شروط الوجوب تكون دخيله في صيرورة الواجب ذا مصلحة مطلوبة، فبدونها لا يكون الفعل مطلوبا. و ذلك مثل شرب الدواء فإنما يكون حسنا و ذا مصلحة إذا تحقق المرض، و أما عند عدم المرض فلا يكون شرب الدواء مطلوبا أصلا و هذا بخلاف شروط الواجب مثل الطهارة للصلاة فإن الصلاة ينتظر منها مصلحة مطلوبة و لكن لا تتحقق هذه المصلحة إلا بالطهارة.
فشروط الوجوب دخيله في صيرورة الفعل مطلوبا بينما شروط الواجب دخيله في تحصيل المصلحة المطلوبة، و ذلك كشرب الدواء بعد الطعام فإن وقوعه بعد الطعام شرط لتحصيل مصلحته المطلوبة منه، و هذا بخلاف تحقق المرض فإنه شرط في صيروره شرب الدواء ذا مصلحة مطلوبة.