المعنون- و هو الحرف الحقيقي- موضوعا للحكم حقيقة أوّلا و بالذات، فإن الحرف الحقيقي يستحيل أن يكون موضوعا للحكم و طرفا للنسبة بأي حال من الأحوال و لو بتوسط شيء، كيف؟ و حقيقته النسبة و الربط و خاصته إنه لا يخبر عنه. و عليه:
فالمخبر عنه أوّلا و بالذات هو عنوان الحرف، لكن لا بما هو مفهوم موجود في الذهن فإنه بهذا الاعتبار يخبر عنه، بل بما هو فان في المعنون و حاك عنه، فالمصحح للإخبار عنه بأنه لا يخبر عنه هو فناؤه في معنونه، فيكون الحرف الحقيقي المعنون مخبرا عنه ثانيا و بالعرض، و إن كان الغرض من الحكم إنما يقوم بالمفني فيه و هو الحرف الحقيقي.
و على هذا: يتضح جليا كيف أن دعوى سراية الحكم أوّلا و بالذات، من العنوان إلى المعنون منشأها الغفلة بين ما هو المصحح للحكم على موضوع باعتبار قيام الغرض بذلك المصحح، فيجعل الموضوع عنوانا حاكيا عنه، و بين ما هو الموضوع للحكم القائم به الغرض، فالمصحح للحكم شيء، و المحكوم عليه و المجعول موضوعا شيء آخر. و من العجيب أن تصدر مثل هذه الغفلة من بعض أهل الفن في المعقول.
نعم إذا كان القائل بالسراية يقصد أن العنوان يؤخذ فانيا في المعنون و حاكيا عنه، و أن الغرض إنما يقوم بالمعنون فذلك حق و نحن نقول به؛ و لكن ذلك لا ينفعه في الغرض الذي يهدف إليه، لأنا نقول بذلك من دون أن نجعل متعلق التكليف نفس المعنون و إنما يكون متعلقا له ثانيا و بالعرض، كالمعلوم بالعرض كما أشرنا إليه فيما سبق. فإن العلم إنما يتعلق بالمعلوم بالذات و يتقوم به و ليس هو إلا العنوان الموجود بوجود علمي، و لكن باعتبار فنائه في معنونه يقال للمضمون: أنه معلوم و لكنه في الحقيقة هو معلوم بالعرض لا بالذات، و هذا الفناء هو الذي يخيل للناظر أن المتعلق الحقيقي للعلم هو المعنون، و لقد أحسنوا في تعريف العلم بأنه: حصول صورة الشيء لدى العقل، لا حصول نفس الشيء، فالمعلوم بالذات هو الصورة، و المعلوم بالعرض نفس الشيء الذي حصلت صورته لدى العقل.
*** و إذا ثبت ما تقدم و اتضح ما رمينا إليه- من أن متعلق التكليف أوّلا و بالذات هو العنوان، و أن المعنون متعلق له بالعرض- يتضح لك الحق جليا في مسألتنا (مسألة اجتماع الأمر و النهي) و هو: أن الحق (جواز الاجتماع).
و معنى جواز الاجتماع: إنه لا مانع من أن يتعلق الإيجاب بعنوان و يتعلق التحريم