فإن هذا شأن جميع المسائل الأصولية المتقدمة اللفظية و العقلية، أ لا ترى أن المباحث اللفظية كلها لتنقيح صغرى أصالة الظهور، مع إن المسألة لا تقع صغرى لأصالة الظهور على جميع الأقوال فيها، كمسألة دلالة صيغة افعل على الوجوب، فإنه- على القول بالاشتراك اللفظي (1) أو المعنوي (2)- لا يبقى لها ظهور في الوجوب أو غيره.
و لا وجه لتوهم كون هذه المسألة فقهية (3) أو كلامية (4) أو أصولية لفظية (5). و هو واضح بعد ما قدمناه من شرح تحرير النزاع، و بعد ما ذكرناه سابقا في أوّل هذا الجزء من مناط كون المسألة الأصولية من باب غير المستقلات العقلية.
مناقشة الكفاية في تحرير النزاع:
و بعد ما حررنا من بيان النزاع في المسألة يتضح ابتناء القول بالجواز فيها على أحد رأيين: إما القول بأن متعلق الأحكام هي نفس العنوانات دون معنوناتها، و إما القول
في مبحث غير المستقلات العقلية يكفي أن تقع صغرى للكبرى العقلية القائلة باستحالة اجتماع الأمر و النهي في شيء واحد، و لو على القول بالامتناع فقط.
(1) و بعبارة أخرى نقول: إن صيغة افعل متى تكون منقحة لصغرى أصالة الظهور؟ تكون منقحة لصغرى أصالة الظهور على القول بأنّها موضوعة للواجب، حينئذ نقول: صيغة افعل ظاهرة في الوجوب و كل ظهور حجة، و أما إذا قلنا بأنّها مشترك لفظي يعني: موضوعة للوجوب و الندب بوضعين فلا يبقى لها ظهور. ج: لا تقع صغرى لكبرى حجية الظهور مع هذا: البحث عن صيغة افعل ظاهرة في الوجوب يكون بحثا أصوليا لوقوعها في بعض الموارد صغرى لكبرى حجية الظهور، و ذلك على القول بالامتناع.
(2) أو نقول: إن صيغة افعل موضوعة للجامع أي: الطلب فإن الطلب محفوظ في الوجوب و الندب، و عليه: لا ظهور في صيغة افعل فيكون حالها حال الاشتراك اللفظي.
(3) قد يتوهم: بأن مسألة اجتماع الأمر و النهي مسألة فقهية؛ باعتبار أن النزاع فيها مرجعه إلى تصحيح الصلاة في الأرض المغصوبة و بطلانها، فإنّه على القول بجواز الاجتماع تصح الصلاة، و على القول بالامتناع تبطل الصلاة.
(4) و هي التي يبحث فيها عن أحوال المبدأ و المعاد، و ما يصح عليه «سبحانه و تعالى»، و كون هذه المسألة منها باعتبار جعل النزاع فيها راجعا إلى فعله سبحانه و تعالى في أنّه هل يجوز أن يجعل حكمين (وجوبا و حرمة أي أمرا و نهيا) لفعل واحد أم يقبح عليه تعالى؟
(5) بمعنى: أنّه قد يتوهم بأن المسألة هي من دلالة دليلي الأمر و النهي، بمعنى: إن دليلهما هل يستفاد شموله لمورد الاجتماع، و هذا معنى الجواز أم لا يستفاد منه ذلك، و هذا معنى الامتناع؟