حسنا و لا قبيحا، كالضرب مثلا فإنه حسن للتأديب و قبيح للتشفي، و لا حسن و لا قبيح كضرب غير ذي الروح.
و معنى كون الحسن أو القبح ذاتيا: أن العنوان المحكوم عليه بأحدهما بما هو في نفسه و في حد ذاته يكون محكوما به، لا من جهة اندراجه تحت عنوان آخر. فلا يحتاج إلى واسطة في اتصافهم بأحدهما (1).
و معنى كونه مقتضيا لأحدهما: إن العنوان ليس في حد ذاته متصفا به بل بتوسط عنوان آخر، و لكنه لو خلي و طبعه كان داخلا تحت العنوان الحسن أو القبيح. أ لا ترى أن تعظيم الصديق لو خلي و نفسه يدخل تحت عنوان العدل الذي هو حسن في ذاته؟ أي: بهذا الاعتبار تكون لهم مصلحة نوعية عامة. أما لو كان سببا لهلاك نفس محترمة كان قبيحا؛ لأنه يدخل حينئذ بما هو تعظيم الصديق تحت عنوان الظلم، و لا يخرج عن عنوان كونه تعظيما للصديق.
و كذلك يقال في تحقير الصديق، فإنه لو خلي و نفسه يدخل تحت عنوان الظلم الذي هو قبيح بحسب ذاته، أي: بهذا الاعتبار تكون له مفسدة نوعية عامة. فلو كان سببا لنجاة نفس محترمة كان حسنا لأنه يدخل حينئذ تحت عنوان العدل و لا يخرج عن عنوان كونه تحقيرا للصديق.
و أما العناوين من القسم الثّالث في حد ذاتها لو خليت و أنفسها داخلة تحت عنوان حسن أو قبيح، فلذلك لا تكون لها علية و لا اقتضاء.
و على هذا يتضح معنى العلية و الاقتضاء هنا، فإن المراد من العلية: أن العنوان بنفسه هو تمام موضوع حكم العقلاء بالحسن أو القبح. و المراد من الاقتضاء: أن العنوان لو خلي و طبعه يكون داخلا فيما هو موضوعا لحكم العقلاء بالحسن أو القبح. و ليس المراد من العلية و الاقتضاء ما هو معروف من معناهما أنه بمعنى التأثير و الإيجاد، فإنه من البديهي إنه لا علية و لا اقتضاء لعناوين الأفعال في أحكام
(1) فإن العدل بما هو في نفسه محكوم بالحسن، و الظلم بما هو في نفسه محكوم بالقبح، و لا يحتاج اتصاف العدل بالحسن، و الظلم بالقبح إلى واسطة.