بتقديم الأمور السابقة نستطيع أن نواجه أدلة الطرفين بعين بصيرة؛ لنعطي الحكم العادل لأحدهما و نأخذ النتيجة المطلوبة. و نحن نبحث عن ذلك في عدة مواد، فنقول:
1- إنا ذكرنا أن قضية الحسن و القبح من القضايا المشهورات، و أشرنا إلى ما كنتم درستموه في الجزء الثّالث من المنطق من أن المشهورات قسم يقابل الضروريات الست كلها. و منه نعرف المغالطة في دليل الأشاعرة و هو أهم أدلتهم إذ يقولون:
«لو كانت قضية الحسن و القبح مما يحكم به العقل لما كان فرق بين حكمه في هذه القضية و بين حكمه بأن الكل أعظم من الجزء. و لكن الفرق موجود قطعا إذ الحكم الثّاني لا يختلف فيه اثنان مع وقوع الاختلاف في الأوّل».
و هذا الدليل من نوع القياس الاستثنائي فيه نقيض التالي لينتج نقيض المقدم (3).
و الجواب عنه: إن المقدمة الأولى، و هي الجملة الشرطية ممنوعة، و منعها يعلم مما تقدم آنفا، لأن قضية الحسن و القبح- كما قلنا- من المشهورات، و قضية أن الكل أعظم من الجزء من الأوليات اليقينيات (4)، فلا ملازمة بينهما و ليس هما من باب
(1) ما هو الفرق بين العلية التي بمعنى التأثير و الإيجاد و بين العلية التامّة و الاقتضاء؟ الفرق بينهما هو:
أن العلة بمعنى الإيجاد و التأثير في الأمر التكويني كما في النّار، فإنّها تكون علة بمعنى المقتضي، أي بمعنى: أنّها مؤثر في إيجاد الإحراق في حالة احتفافها بعدم المانع و وجود الشرط، بينما المراد هنا من العلة و الاقتضاء أن تكون موضوعا لحكم العقلاء بالحسن و القبح، و أين هذا المعنى من ذاك؟
(2) توضيح عبارة المصنّف في قوله: «إلا من باب علية الموضوع لمحموله» هو: أن عليّة حكم العاقل بحسن العدل هو تصور العاقل عنوان العدل، فعند تصور العاقل حسن عنوان العدل، يأتي حاكما بكونه حسنا، إذا: العلية في حكم العاقل هو تصوره و إدراكه لا إن عنوان العدل هو سبب الحكم، فإن عنوان العدل ما هو إلا موضوع ثبت له الحسن.
أدلة الطرفين: (3) و بتعبير آخر: لو كان الحسن و القبح عقليان لما اختلف فيهما اثنان، و لكن الاختلاف حاصل ينتج إنّهما ليسا بعقليين.
(4) بل قد يقال: حتى لو قلنا بأنّهما عقليان ضروريان، يمكن أن نمنع هذه الشرطية، و ذلك لأنّ الضروريات قد يقع الاختلاف فيهما بعروض شبهة في مقابل بديهة، و قد ذكرت مناشئ عروض الشبهة في المنطق و هي خمسة: