و فقط انتفاء شخص الحكم، أي: إن الفساق لا يجب إكرامهم بملاك الفقر، و أما بالملاكات الأخرى:
فذاك مسكوت عنه.
فلو كانت الجملة المذكورة تدل على انتفاء وجوب الإكرام عن الفساق بجميع الملاكات فلازم ذلك:
ثبوت المفهوم، أما إذا لم تدل على ذلك بل كانت تدل على عدم وجوب إكرام الفساق بملاك الفقر فقط- أي: كانت تدل على انتفاء شخص الحكم دون طبيعيّه- فلا يكون المفهوم ثابتا [1].
ثم عقب السيّد الصدر في حلقاته قائلا: و لأجل التعرف على أن جملة الاستثناء هل تدل على نفي طبيعي الوجوب عن الفساق أو لا؛ لو حولنا أداة الاستثناء في قولنا: «يجب إكرام الفقراء إلا الفساق» من مفهومه الحرفي إلى مفهومه الاسمي، (أي: بدلنا «إلا» بكلمة «مستثنى» لحصلنا على شكلين:
الأوّل: وجوب الإكرام يستثنى منه الفساق. الثّاني: جعل الشارع وجوبا لإكرام الفقراء مستثنى منه الفساق.
- فالشكل الأوّل: يدل على الاستثناء من الطبيعي، أي: يستفاد من الشكل الأوّل: أن الوجوب المستثنى عن الفساق هو طبيعي.
- و الشكل الثّاني: يدل على الاستثناء من شخص الحكم.
فإن رجعت الجملة الاستثنائية إلى مفاد الشكل الأول كان لها مفهوم، و إن رجعت إلى مفاد الشكل الثاني لم يكن لها مفهوم، و هذا هو الأصح، كما مر في الغاية [2].
قال صاحب الكفاية في كفايته بما معناه: لا شبهة في أن للاستثناء مفهوم. و أن حكم المستثنى مخالف لحكم المستثنى منه في السلب و الإيجاب.
- أما الحكم السلبي في قولك: «لم يجئ القوم إلا زيد» فحصرت الحكم بالنفي و إثباته لزيد.
- أما الحكم الإيجابي في قولك: «جاء القوم إلا زيد» فحصرت الحكم الإيجابي بالقوم و نفيه عن زيد، و عند ما نلاحظ العبارة نجد أن الاستثناء من النفي يكون إيجابا، و الاستثناء من الإيجاب نفي. فإذا كان الحكم الذي حصرته نفيا كان لازمه إثبات بالنسبة إلى المستثنى منه، و إذا كان الحكم الذي حصرته إيجابا لازمه نفيا بالنسبة إلى المستثنى منه.
و ما هو الدليل على دلالة الاستثناء على اختصاص الحكم المستثنى منه و انحصاره به بحيث يكون الاستثناء من النفي إثباتا، و بالعكس؟
قال صاحب الكفاية: الدليل على ذلك تبادر أذهان أهل أرباب المحاورة، و هذا التبادر كاف في إثبات الاختصاص المذكور، و الدلالة على انتفاء الحكم عن المستثنى. و بعد هذا لا يهتم و لا يعتنى بما عن أبي حنيفة من إنكاره هذه الدلالة.
و تقريب كلام أبي حنيفة في إنكاره هذه الدلالة محتجا بمثل: «لا صلاة إلا بطهور» ما يلي:- أن الاستثناء لو كان دالا على اختصاص الحكم بالمستثنى منه و انتفائه عن المستثنى لكان دالا على أن
[1] راجع: الحلقة الثالثة في أسلوبها الثاني، ج 1، ص 478.