و ما إليها من أدوات؛ دون أن يملك أفكارا عامة عن عملية النجارة، و طريقة استخدام تلك الأدوات.
و كما أن العناصر المشتركة ضرورية لعملية الاستنباط فكذلك العناصر الخاصة التي تختلف من مسألة إلى أخرى، كمفردات الآيات و الروايات المتناثرة، فإنها الجزء الضروري الآخر فيها، فلا يكفي مجرد الاطلاع على العناصر المشتركة التي يمثلها علم الأصول؛ و من يحاول الاستنباط على أساس الاطلاع الأصولي فحسب نظير من يملك معلومات نظرية عامة عن عملية النجارة، و لا يوجد لديه فاس و لا منشار و ما إليهما من أدوات النجارة.
فكما يعجز هذا عن صنع سرير خشبي مثلا كذلك يعجز الأصولي عن الاستنباط، إذا لم يفحص بدقة العناصر الخاصة المتغيرة من مسألة إلى أخرى.
فالعناصر المشتركة و العناصر الخاصة قطبان مندمجان في عملية الاستنباط، و لا غنى للعملية عنهما معا.
5- أدوار أصول الفقه و مراحله:
مرّ علم الأصول بأدوار و مراحل، و يمكن طرحها على شكل مدارس أربع:
المدرسة الأولى أو مدرسة ما قبل التأليف:
إن بذرة الفكرة الأصولية قد وجدت لدى فقهاء أصحاب الأئمة (عليهم السلام) منذ أيام الصادقين (عليهم السلام)، و من الشواهد التاريخية على هذا الزعم:
الروايات المروية في كتب الحديث التي لها ارتباط تام بجملة من العناصر المشتركة في عملية الاستنباط.
و لا بأس في طرح بعض المصاديق: و من الشواهد التي وردت في حجية الظواهر و العموم: أنه روى الطوسي ... قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟
فقال: «يعرف هذا و أشباهه من كتاب الله، قال الله تعالى: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» [1]
فإنّ استدلال الإمام بالآية يدلّ على حجيّة ظواهر الكتاب و العمل بعموم الآيات.