و لزوم تكليف ما لا يطاق في الغافل و الجاهل رأسا هو المخصّص لكلّ ما يمكن أن يستدلّ به من العمومات و الإطلاقات لو سلّم عمومها و دلالتها، لأنّ الظّنّي لا يعارض القطعيّ.
و احتجّوا أيضا: بروايات مثل، ما ورد في حكاية عمّار [1] أنّه أصابه جنابة فتمعّك في التّراب. فقال له رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) و سلم: «كذلك يتمرّغ الحمار أ لا صنعت كذا، فعلّمه التيمّم».
و مثل ما ورد في حكاية براء بن معرور حيث تطهّر بالماء [2]، و صار ممدوحا بهذا مع أنّه لم يأخذه من الشّارع، و نحو ذلك.
و فيه: أنّ هذه الأخبار ليست باقية على ظاهرها، و لا بدّ من تأويلها لمخالفتها للدليل القطعيّ فيمن يتمكّن من التحصيل و تفطّن لوجوب معرفة الأحكام بالتفصيل. فالتنديم و التوبيخ على عمّار إنّما يرجع الى تقصيره في عدم السّؤال حتّى يفعل صحيحا، و إن فرض أنّ عمار كان جاهلا بلزوم السّؤال، و غافلا عن
[2] في «الوسائل» 1/ 354 باب 34 استحباب اختيار الماء على الأحجار ... ح 3، عن محمد بن علي بن الحسين في «الخصال» قال: كان الناس يستنجون بالأحجار، فأكل رجل من الأنصار طعاما، فلان بطنه، فاستنجى بالماء، فأنزل اللّه تبارك و تعالى فيه:
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة: 222)، فدعاه رسول (صلى الله عليه و آله) و سلم فخشي الرّجل أن يكون قد نزل فيه أمر يسوؤه، فلمّا دخل، قال له رسول اللّه (صلى الله عليه و آله) و سلم:
هل عملت في يومك هذا شيئا؟ قال: نعم يا رسول اللّه، أكلت طعاما فلان بطني، فاستنجيت، بالماء، فقال له: أبشر، فإنّ اللّه تبارك و تعالى قد أنزل فيك: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ فكنت أنت أوّل التّوابين، و أوّل المتطهّرين و يقال: إنّ هذا الرّجل كان البرّاء بن معزوب (في المصدر: البراء بن معرور) الأنصاري.