ثمّ إنّ بعضهم [1] أسند الى الأخباريين أقوالا أربعة فيما لا نصّ فيه، و قال:
التوقّف و هو المشهور، و الحرمة ظاهرا، و الحرمة واقعا، و وجوب الاحتياط.
و صرّح بعضهم بأنّ هذه المذاهب فيما إذا احتمل الحرمة و غيرها من الأحكام، أمّا إذا احتمل الوجوب و غيره سوى الحرمة فهم مثل المجتهدين.
أقول: و لعلّ القائل بالحرمة ظاهرا نظر إلى إفادة الأخبار الدالّة على ترك الشّبهات، و أخبار التثليث حكم الشّبهة على الظّاهر و إن كان حلالا في الواقع، بتقريب أنّها حكم الواقعة من حيث إنّها مجهولة لا من حيث هي، و القائل بها واقعا نظر الى ظاهر الحكم، فإنّه يفيد الحرمة واقعا، و لا يخفى ضعفهما بعد ما مرّ.
و أمّا التوقّف و الاحتياط فلم أتحقّق الفرق بين مواردهما.
و قال بعض المتأخّرين [2]: إنّ التوقّف عبارة عن ترك الأمر المحتمل للحرمة، و حكم آخر من الأحكام الخمسة، و الاحتياط عبارة عن ارتكاب الأمر المحتمل للوجوب، و حكم آخر ما عدا التحريم كما هو ظاهر موارد التوقّف و الاحتياط، و من توهّم أنّ التوقّف هو الاحتياط، فقد سها و غفل.
[المراد بالتّوقف]
أقول: المراد بالتوقّف هو السّكوت عن الفتوى في الواقعة الخاصّة و عدم الإذعان بالمطلوبيّة و المبغوضيّة، و الحاصل، الإذعان بالجهل. ثمّ بعد ذلك فإمّا يحكم بأصالة البراءة و الرّخصة، أو يحكم بلزوم الاحتياط، فالقول بالتوقّف لا ينفكّ عن أحد القولين.
أمّا عن قول المجتهدين، فبأن نحملها على التوقّف عن الحكم للواقعة من حيث
[1] و هو الوحيد راجع رسالة أصالة البراءة من «رسائله الأصولية» ص 350.
[2] و هو الفاضل التوني في «الوافية» ص 192 في الجواب عن أدلّة وجوب الاحتياط.