إنّ الوجدان السّليم يحكم بأنّ ما تحقّق وجوده أو عدمه في حال أو في وقت و لم يحصل الظنّ بطروّ عارض يرفعه، فهو مظنون البقاء، و على هذا الظنّ بناء العالم و أساس عيش بني آدم من الاشتغال بالحرث و التجارة، و بناء الدّار و البستان، و إرسال المكاتب الى الأمكنة البعيدة، و المسافرة الى الجزائر، و البلاد الواقعة في السّواحل، و القراض [1]، و غير ذلك ممّا يرتكبه العقلاء و الأزكياء، من دون لزوم سفه أو منقصة عليهم.
و هذا الظنّ ليس من محض الحصول في الآن السّابق [2]، لأنّ ما ثبت جاز أن يدوم و جاز أن لا يدوم، بل لأنّا إذا فتّشنا من الأمور الخارجيّة من الأعدام
[1] القراض في كلام أهل الحجاز المضاربة، و منه حديث الزهري: لا تصلح مقارضة من طعمته الحرام، يعني القراض كما في «لسان العرب» قال الزّمخشري: أصلها من القرض في الأرض و هو قطعها بالسّير فيها، و كذلك هي المضاربة أيضا من الضّرب في الأرض.
[2] و قد وافق في ذلك السيد صدر الدين فقال بعد دعوى رجحان البقاء: إنّ الرّجحان لا بد له من موجب، لأنّ وجود كل معلول يدل على وجود علّة له إجمالا و ليست هي اليقين المتقدّم بنفسه، لأنّ ما ثبت جاز أن يدوم و جاز أن أن لا يدوم، و يشبه أن يكون هي كون الأغلب في أفراد الممكن القار أن يستمر وجوده بعد التحقّق، فيكون رجحان وجود هذا الممكن الخاص للإلحاق بالأعم الغالب، هذا إذا لم يكن رجحان الدّوام مؤيّدا بعادة أو أمارة و إلّا فيقوى بهما، و قس على الوجود حال العدم إذا كان يقينا، انتهى، و كلامه (قدس سرّه) في تتميم الدّليل يتضمّن دعويين: إحداهما قضاء الوجدان بحصول ظنّ البقاء في موارد الاستصحاب، و أخراهما كون منشئه الغلبة و كلّ محل بحث. هذا كما أفاد السيد علي القزويني في حاشية.