فإن قلت: فما معنى الدّلالة عليها، و ما معنى قولهم: الوضع تعيين اللّفظ للدلالة على معنى بنفسه، و جعل الدّلالة غرضا للوضع ينافي ما ذكرت من نفي ذلك؟
قلت: لا منافاة [1]، فإنّ مرادهم من الدّلالة على معنى هناك، صيرورته موجبا لتصوّر الموضوع له.
و مرادهم ثمّة في نفي كون استفادة المعاني غرضا في الوضع، التصديق بأنّ تلك المعاني قد وضعت لها تلك الألفاظ، فمجمع القاعدتين [2]، أنّ الألفاظ قد وضعت بإزاء المعاني لأجل أن يحصل تصوّر المعاني بمجرّد تصوّر الألفاظ ليتمكّن من تركيبها حتى يحصل المعنى المركّب و يحصل به تفهيم المعنى المركّب.
و لمّا كان المقصود [3] من وضع الألفاظ تفهيم المعاني المركّبة الموقوفة غالبا على استعمال الألفاظ و تركيب بعضها مع بعض، و لا بدّ أن يكون الاستعمال أيضا على قانون الوضع و لا ينفكّ الدّلالة غالبا عن الإرادة، بمعنى أنّ المدلول غالبا لا بدّ أن يكون هو المراد، و لا بدّ أن يكون المراد ما هو مدلوله اللّفظ، و يحمل اللّفظ عليه و إن لم يكن مراد اللّافظ في نفس الأمر، و لا بدّ أن يكون المراد موافقا لقانون الوضع من حيث الكميّة و الكيفيّة، فلا استبعاد أن يقال: مرادهم من الدّلالة في
[1] و قد ردّ على هذا القول المحقق الاصفهاني في «هدايته»: 3/ 270 و جعل من الغرابة ما ذكره المصنّف.
[2] أي قاعدة انّ الغرض من وضع الألفاظ معانيها على ما يستفاد من لام الدّلالة، و القاعدة التي اختارها هنا بأنّ الغرض من وضع الألفاظ هو الضمّ و التركيب. و قال في الحاشية: أي قاعدة جعل الدلالة غرضا للوضع و قاعدة نفي كون استفادة المعاني غرضا في الوضع.