و يترتب على هذه العقبات أنواع من الألم تختلف قوة و ضعفا فقد يخرج الألم الرسول عن حد الاعتدال و القصد فتثور انفعالاته و تضطرب نفسه و تجمح العواطف حتى ليعجز عن كبحها و ذلك هو الواضح من موقف ذي النون عليه السلام حين ذهب مغاضبا وَ ذَا اَلنُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغََاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنََادىََ فِي اَلظُّلُمََاتِ أَنْ لاََ إِلََهَ إِلاََّ أَنْتَ سُبْحََانَكَ إِنِّيكُنْتُ مِنَ اَلظََّالِمِينَ*`فَاسْتَجَبْنََا لَهُ وَ نَجَّيْنََاهُ مِنَ اَلْغَمِّ وَ كَذََلِكَ نُنْجِي اَلْمُؤْمِنِينَ[2] .
و قد يؤثّر هذا الألم على الإتجاه العام في حياة الرسول و الدعوة حتى ليهم بتركها و ذلك هو الواضح من قوله تعالى فَلَعَلَّكَ تََارِكٌ بَعْضَ مََا يُوحىََ إِلَيْكَ وَ ضََائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لاََ أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جََاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمََا أَنْتَ نَذِيرٌ وَ اَللََّهُ عَلىََ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ[3] .
و قد يكون هذا الألم من القوة و العنف بحيث يبعث الشك في النفوس و يبذر اليأس في القلوب و الحالة الأولى هي التي يصوّرها قوله تعالى فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمََّا أَنْزَلْنََا إِلَيْكَ فَسْئَلِ اَلَّذِينَ يَقْرَؤُنَ اَلْكِتََابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جََاءَكَ اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاََ تَكُونَنَّ مِنَ اَلمُمْتَرِينَ[4] .
إلا أنه على الرغم من كل هذه العقبات فإن الرسل يظفرون بالانتصار فنراهم و قد تخطّوا العقبات و انتصروا على الأعداء حتى لكأن الألم الذي عانوه لم يكن إلا المطهر الذي نفث فيهم الصلابة و القوة و أحالهم خلقا آخرين أقدر من غيرهم على تحمّل العقبات