و لم يشتهر الشريف في النثر اشتهاره في الشعر و لعله لعدم إكثاره فيه، و لم يترام إلينا من نثره غير ما نقرأه في أثناء مؤلفاته التي بأيدينا، و قد روى له في «الدرجات الرفيعة» عدة رسائل ليست هي من أسلوب ما قرأناه من المؤلفات في البلاغة.
و الشريف إذا نعى ورثى أبدع و أغرب، فإذا عضت النكبة حسبه أو نسبه كان كمستودع غاز مسته النار، فلهذا كانت مراثيه في الحسين (عليه السّلام) جده و أمامه، و شهيد أعداء أسرته، و من لا يخشى عادية الخلفاء العباسيين و لا ملوك عصره أن يقول فيه ما شاء لسانه و خياله، غاية في الإجادة و نهاية في استدراج العاطفة، و مراثيه فيه (عليه السّلام) كثيرة و لا يسالم الشريف أحدا من آل حرب إلا ابن عبد العزيز، كوفاء له على صنيعه، و شكر على تكرمه و لا يبالي أن يخرج مدحه بذم سلفه و ولاته بعداء آبائه، و لا يستوفي الشكر له بالبكاء عليه لأنه من بني أمية فيقول:
يا ابن عبد العزيز لو بكت العين # فتى من أمية لبكيتك
غير أني أقول أنك قد طبت # و ان لم يطب و لم يزك بيتك
أنت نزهتنا عن السب و الشتم # فلو أمكن الجزاء جزيتك
دير سمعان لا غدتك الغوادي # خير ميت من آل مروان ميتك
و عجيب أني قليت بني مروان # طرا و أني ما قليتك
و قد روي عن الصادق (عليه السّلام) أنه قال: (كان العبد الصالح أبو حفص يهدي إلينا الدراهم و الدنانير في رقاق من العسل خوفا من أهل بيته) .