إن القرون الإسلامية الثلاثة الأول يعني بالعلم فيها دراسة القرآن و النظر في معانيه، و شرح ألفاظه و تفاسيره و ضبط قرآءاته و قصصه، و معرفة ناسخه و منسوخه، و استفادة الآراء و العقائد و الأحكام الفقهية منه، و الاحتجاج بآياته، إلى غير ذلك من العلوم القرآنية مما يخص الأدب و الفلسفة و الأحكام. و لقد كان هو محور العلوم الإسلامية و منارها. و إذا استعرضنا مؤلفات تلك القرون و استقرأناها، وجدنا تلك المؤلفات لأقطاب العلم المشاهير و ما فيها من علوم تحول حول هذه النقطة و هي القرآن و تنشق من معدنها، فالقرآن و ما ينشق منه من المعارف هو الكل في الكل. و قد يكون أول علم إسلامي أخذ من القرآن و انشق منه هو الفقه، ثم العقائد و البلاغة و علوم و الأدب و التاريخ. و اختلف المفسرون في وضع تفاسيرهم لاختلاف وجهات نظرهم و مقدرتهم، في الأدب و الفلسفة و الأحكام، و تفاوت قرائحهم في هذه الفنون، أما الشعر و الكتابة فهي لا تنسجم في تلك العلوم من حيث أن مصدرها لم يكن القرآن. و الشريف عالم من ذلك القبيل أي من نوع يسمى عالما في تلك القرون، فقد استظهر علوم القرآن و برع فيها، و أحاط بدقائقها و استنتج العقائد الدينية منها، و درس الفقه الإسلامي كعلم من علوم القرآن و لم يتخصص فيه. و وضع تفسيره «حقائق التأويل» المؤلف الواسع الذي بلغ الغاية في الإجادة، و الذي كان ضياع القسم الأغلب منه خسارة على الثقافة العربية عظمى، و يكفينا من معرفة مقدرة الشريف العلمية الواسعة ذلك الجزء الذي