و أنا أعوذ باللّه أن أغرّ من نفسي، عند غيبة خصمي، و تصفح العلماء لكلامي، فإني أعلم أن فتنة اللسان و القلم، أشدّ من فتنة النساء، و الحرص على المال.
و قد صادف هذا الكتاب مني حالات تمنع من بلوغ الإرادة فيه، أوّل ذلك العلة الشديدة، و الثانية قلة الأعوان، و الثالثة طول الكتاب، و الرابعة أني لو تكلفت كتابا في طوله، و عدد ألفاظه و معانيه، ثمّ كان من كتب العرض و الجوهر، و الطّفرة، و التولد، و المداخلة، و الغرائز، و التماس-لكان أسهل و أقصر أياما، و أسرع فراغا؛ لأني كنت لا أفزع فيه إلى تلقّط الأشعار، و تتبّع الأمثال، و استخراج الآي من القرآن، و الحجج من الرّواية، مع تفرّق هذه الأمور في الكتب، و تباعد ما بين الأشكال. فإن وجدت فيه خللا من اضطراب لفظ، و من سوء تأليف، أو من تقطيع نظام، و من وقوع الشيء في غير موضعه-فلا تنكر، بعد أن صوّرت عندك حالي التي ابتدأت عليها كتابي.
و لو لا ما أرجو من عون اللّه على إتمامه؛ إذ كنت لم ألتمس به إلاّ إفهامك مواقع الحجج للّه، و تصاريف تدبيره، و الذي أودع أصناف خلقه من أصناف حكمته-لما تعرّضت لهذا المكروه.
فإن نظرت في هذا الكتاب فانظر فيه نظر من يلتمس لصاحبه المخارج، و لا يذهب مذهب التعنّت، و مذهب من إذا رأى خيرا كتمه، و إذا رأى شرّا أذاعه.
و ليعلم من فعل ذلك أنّه قد تعرّض لباب إن أخذ بمثله، و تعرّض له في قوله و كتبه، أن ليس ذلك إلاّ من سبيل العقوبة، و الأخذ منه بالظلامة. فلينظر فيه على مثال ما أدّب اللّه به، و عرّف كيف يكون النظر و التفكير و الاعتبار و التعليم؛ فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ إِذْ أَخَذْنََا مِيثََاقَكُمْ وَ رَفَعْنََا فَوْقَكُمُ اَلطُّورَ خُذُوا مََا آتَيْنََاكُمْ بِقُوَّةٍ وَ اُذْكُرُوا مََا فِيهِ[2].
1111-[الحكمة في الأشياء الصغيرة]
فينبغي أن تكون إذا مررت بذكر الآية و الأعجوبة، في الفراشة و الجرجسة، ألاّ تحقر تلك الآية، و تصغّر تلك الأعجوبة؛ لصغر قدرهما عندك، و لقلّة معرفتهما عند [1]مجمع الأمثال 2/135، 145، و فصل المقال 203، و أمثال ابن سلام 136، و المستقصى 2/229.
[2]63، 93/البقرة: 2.
نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 4 صفحه : 361