نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 4 صفحه : 360
فزعم كما ترى أنّ الصّخور كانت ليّنة، و أنّ الأشجار: الطلح و السّيال كانت خضيدا لا شوك عليها.
و زعم بعض المفسّرين و أصحاب الأخبار، أنّ الشّوك إنما اعتراها في صبيحة اليوم الذي زعمت النّصارى فيه أنّ المسيح ابن اللّه.
و كان مقاتل يقول-حدّثنا بذلك عنه أبو عقيل السّواق، و كما أحد رواته و الحاملين عنه-إنّ الصّخور كانت ليّنة، و إنّ قدم إبراهيم عليه السلام أثرت في تلك الصخرة، كتأثير أقدام الناس في ذلك الزّمان. إلاّ أنّ اللّه تعالى توفّى تلك الآثار، و عفّى عليها، و مسحها و محاها، و ترك أثر مقام إبراهيم صلى اللّه عليه و سلم. و الحجّة إنما هي في إفراده بذلك و محو ما سواه من آثار أقدام الناس. ليس أنّ إبراهيم صلى اللّه عليه و سلم كان وطئ على صخرة خلقاء يابسة فأثّر فيها.
1108-[فضل المتكلمين و المعتزلة]
و أنا أقول على تثبيت ذلك بالحجة. و نعوذ باللّه من الهذر و التكلف و انتحال ما لا أقوم به. أقول: إنّه لو لا مكان المتكلمين لهلكت العوامّ من جميع الأمم، و لو لا مكان المعتزلة لهلكت العوامّ من جميع النّحل. فإن لم أقل، و لو لا أصحاب إبراهيم و إبراهيم لهلكت العوامّ من المعتزلة، فإني أقول: إنه قد أنهج لهم سبلا، و فتق لهم أمورا، و اختصر لهم أبوابا ظهرت فيها المنفعة، و شملتهم بها النعمة.
1109-[ما يحتاج إليه الناس]
و أنا أزعم أن الناس يحتاجون بديّا إلى طبيعة ثم إلى معرفة، ثم إلى إنصاف.
و أوّل ما ينبغي أن يبتدئ به صاحب الإنصاف أمره ألاّ يعطى نفسه فوق حقها، و ألاّ يضعها دون مكانها، و أن يتحفظ من شيئين؛ فإن نجاته لا تتمّ إلاّ بالتحفظ منهما:
أحدهما تهمة الإلف، و الآخر تهمة السّابق إلى القلب-و اللّه الموفق.
1110-[معاناة الجاحظ في تأليف هذا الكتاب]
و ما أكثر ما يعرض في وقت إكبابي على هذا الكتاب، و إطالتي الكلام، و إطنابي في القول، بيت ابن هرمة، حيث يقول[1]: [من البسيط]
إنّ الحديث تغر القوم خلوته # حتى يلجّ بهم عيّ و إكثار