نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 243
259-[بكاء العرب من الهجاء]
و لأمر ما بكت العرب بالدموع الغزار من وقع الهجاء، و هذا من أوّل كرمها، كما بكى مخارق بن شهاب، و كما بكى علقمة بن علاثة، و كما بكى عبد اللّه بن جدعان من بيت لخداش [1] بن زهير. و ما زال يهجوه من غير أن يكون رآه، و لو كان رآه و رأى جماله و بهاءه و نبله و الذي يقع في النفوس من تفضيله و محبته و من إجلاله و الرقة عليه أمسك. أ لا ترى أن النّبيت و غسّان بن مالك بن عمرو بن تميم [2] ، ليس يعرفهم بالعجز و القلّة إلاّ دغفل بن حنظلة، و إلاّ النخّار العذريّ و إلا ابن الكيّس النمريّ، و إلاّ صحار العبدي، و إلاّ ابن شريّة و أبو السّطّاح و أشباههم و من شابه طريقهم و الاقتباس من مواريثهم، و قد سلموا على العامة و حصلوا نسب العرب فالرجل منهم عربي تميمي، فهو يعطي حقّ القوم في الجملة و لا يقتضي ما عليه و على رهطه في الخاصّة. و الحرمان أسوأ حالا في العامة من هذه القبائل الخاملة و هم أعدّ و أجلد.
260-[سبب خمول القبائل]
و بليّة أخرى: أن يكون القبيل متقادم الميلاد، قليل الذلة قليل السيادة، و تهيّأ أن يصير في ولد إخوتهم الشرف الكامل و العدد التامّ، فيستبين لمكانهم منهم من قلتهم و ضعفهم لكلّ من رآهم أو سمع بهم، أضعاف الذي هم عليه لو لم يكونوا ابتلوا بشرف إخوتهم.
و من شؤم الإخوة أنّ شرفهم ضعة إخوتهم، و من يمن الأولاد أنّ شرفهم شرف من قبلهم من آبائهم و من بعدهم من أولادهم: كعبد اللّه بن دارم و جرير بن دارم. فلو أنّ الفقيم لم يناسب عبد اللّه بن دارم و كان جاراً، كان خيراً له.
و لقد ضعضعت قريش-لما جاءت به من الخصال الشريفة التامّة؛ من أركان كنانة-سنام الأرض و جبلها و عينها التي تبصر بها، و أنفها التي بها تعطس، فما ظنّك بمن أبصر بني زيد بن عبد اللّه بن دارم، و بني نهشل بن دارم، و بني مجاشع بن دارم، ثمّ رأى بني فقيم بن جرير بن دارم؟! و كذلك كلّ أخوين إذا برع أحدهما و سبق و علا الرّجال؛ في الجود و الإفضال،
[1] لم أجد البيت الذي هجا به خداش بن زهير، و في الأغاني 10/20-21 خبر يفيد أن دريد بن الصمة هجا عبد اللّه بن جدعان، و لم يكن دريد يعرفه.
[2] انظر الاشتقاق 202-203، و جمهرة أنساب العرب 211-213.
نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 243