نام کتاب : الحيوان نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 14
و أبطرك، فلم تتّجه للحجّة و هي لك معرضة، و لم تعرف المقاتل و هي لك بادية، و لم تعرف باب المخرج إذ جهلت باب المدخل، و لم تعرف المصادر إذ جهلت الموارد.
رأيت أنّ سبّ الأولياء أشفى لدائك، و أبلغ في شفاء سقمك، و رأيت أن إرسال اللسان أحضر لذّة، و أبعد من النّصب، و من إطالة الفكرة و من الاختلاف إلى أرباب هذه الصناعة.
و لو كنت فطنت لعجزك، و وصلت نقصك بتمام غيرك، و استكفيت من هو موقوف على كفاية مثلك، و حبيس على تقويم أشباهك كان ذلك أزين في العاجل.
و أحقّ بالمثوبة في الآجل، و كنت إن أخطأتك الغنيمة لم تخطك السلامة، و قد سلم عليك المخالف بقدر ما ابتلي به منك الموافق. و على أنّه لم يبتل منك إلا بقدر ما ألزمته من مئونة تثقيفك، و التشاغل بتقويمك. و هل كنت في ذلك إلاّ كما قال العربي:
«هل يضرّ السّحاب نباح الكلاب» [1] ، و إلاّ كما قال الشاعر: [من الرمل]
هل يضرّ البحر أمسى زاخرا # أن رمى فيه غلام بحجر [2]
و هل حالنا في ذلك إلاّ كما قال الشاعر: [من الكامل]
ما ضرّ تغلب وائل أ هجوتها # أم بلت حيث تناطح البحران [3]
و كما قال حسّان بن ثابت: [من الخفيف]
ما أبالي أ نبّ بالحزن تيس # أم لحاني بظهر غيب لئيم [4]
و ما أشكّ أنّك قد جعلت طول إعراضنا عنك مطيّة لك، و وجّهت حلمنا عنك إلى الخوف منك، و قد قال زفر بن الحارث لبعض من لم ير حقّ الصفح، فجعل العفو سببا إلى سوء القول: [من الطويل]
فإن عدت و اللّه الذي فوق عرشه # منحتك مسنون الغرارين أزرقا [5]
فإنّ دواء الجهل أن تضرب الطّلى # و أن يغمس العرّيض حتى يغرّقا
[1] من الأمثال؛ و تتمته: «و لا الصخر تفليل الزجاج» ، و المثل في مجمع الأمثال 2/408؛ 2/215، و الدرة الفاخرة2/432، و المستقصى 2/272.
[2] البيت بلا نسبة في البيان 3/248، و أخبار أبي تمام 46.
[3] البيت للفرزدق في ديوانه 882، و الخزانة 2/501 (بولاق) ، و البيان 3/48، و أخبار أبي تمام 49.
[4] ديوان حسان 434. نبّ: صاح؛ و نبيب التيس يكون عند وثوبه للسفاد. و الحزن: ما غلظ من الأرض.