و أمّا وجه الثاني- و هو عدم تطليق حجّية الأخبار عن جميع القيود، كما هو مذهب العوائد [1] أو الحشوية [2]- فلما عرفت من أنّه- مضافا إلى قيام الأدلّة الصريحة من التعليلات و التصريحات و التلويحات و الإجماع على عدم اعتبار الأخبار بالجملة- لا منشأ لتوهّم اعتبارها بالجملة سوى بعض الآيات و الأخبار المطلقة، و منصرف هذه المطلقات هو سائر الآيات و الأخبار المقيّدة بالتبيّن و الوثاقة و الأمانة، لكن لا لأجل مجرّد فهم العرف من اجتماع المطلق و المقيّد التقييد من المطلق- حتى يقال بأنّ فهمهم ذلك مشروط بإحراز وحدة الحكم المتعلّق بكلّ من المطلق و المقيّد الموجبة للتنافي بينهما، و هو كون المراد من المطلق المقيّد أو من المقيّد المطلق على سبيل مانعة الجمع و الخلوّ، و لم يحرز لنا ذلك من دليل خارج سيّما في الأحكام الوضعيّة كإثبات الحجّية في ما نحن فيه- بل إنّما هو لأجل أنّ تعليل اعتبار الأخبار في بعض الأخبار بقوله: «فإنّه الثقة المأمون» [3]، و نحوه ظاهر في كون منصرف سائر المطلقات هو المقيّد بالوثاقة و الأمانة قضاء لحقّ العلّية، مضافا إلى قضاء كلّ من الإجماع العمليّ و القوليّ و السيرة القطعيّة كما يشهد بها تدوين الكتب الرجالية و غيره لحجّية الأخبار في الجملة، لا بالجملة.
و الحاصل: كما أنّ تقييد حجّيتها بخصوص خبر العادل، أو المفيد للظنّ الاطمئناني إفراط، كذلك تطليق حجّيتها من جميع الجهات تفريط، و خير الامور أوسطها، و هو ما اخترناه من تقييد الحجّية بمطلق مظنون الصدور، وفاقا للمشهور المنصور.