التورية صدق حتى يجب العدول إليها للتحرز عن الكذب أو لا، فيكون الإشكال في الموضوع، و أنّ التورية صدق أو لا؛ فلا يجوز إثباته بخبر الواحد.
قلت: إنّا لا نريد [1] إثبات الكلام النفسي بذلك، إذ هو أجنبي عن التورية- كما عرفت- بل غرضنا إثبات أنّ التورية صدق، و أنّها ليست محالا، و من المعلوم أنّ ذلك يثبت بخبر الواحد، إذ هو و إن كان من الموضوعات إلا أنّ الحكم الشرعي الكلي يتوقّف عليه، و هو وجوب العدول عن الكذب إليها، و الموضوعات [2] الخارجيّة التي تكون من هذا القبيل تثبت بخبر الواحد؛ مع أنّ الحق أنّ الخبر الواحد حجّة في الموضوعات مطلقا، على ما بيّن في محلّه، مع أنّ الأخبار في المقام مستفيضة، بل يمكن دعوى كونها أكثر ممّا ذكرنا، يظهر ذلك لمن تتبع [...] [3].
و ممّا يمكن الاستدلال به: قوله (عليه السلام) لمّا سأله بعض أهل العراق و قال: كم آية يقرأ في صلاة الزوال؟ فقال (عليه السلام): «ثمانين»، و لم يعد السائل فقال (عليه السلام): «هذا يظنّ أنّه من أهل الإدراك»، فقيل: ما أردت بذلك؟ و ما هذه الآيات؟ فقال (عليه السلام): «أردت منها ما يقرأ في نافلة الزوال، فإنّ الحمد و التوحيد لا يزيدان على عشر آيات [4]، و نافلة الزوال ثمان ركعات» [5].
و ذكر الشيخ في الرسالة [6] أنّه ورد مستفيضا أنّه لا يجوز ردّ الخبر و لو كان ممّا ينكر [7] ظاهره، حتى إذا قال للّيل إنّه نهار و النهار إنّه ليل [8]، و علّل فيها بأنّه يمكن أن يكون له محمل، و لم يتفطّن السامع له فينكره فيكفر من حيث لا يشعر، فهذه تدلّ على جواز إرادة خلاف الظاهر من غير نصب قرينة، و من المعلوم أنّه من قبيل التورية
[1] في النسخة المعتمدة هكذا: نذير؛ و الصواب ما كتبناه.